Author

مجامل .. وحقي ضايع

|
رسالة وصلتني عبر بريدي الإلكتروني من سيدة فاضلة، تحمل كلماتها كثيرا من الصدق والوجع في وقت واحد، كما أنها تلامس مشكلة اجتماعية يعيشها كثيرون ولا يعرفون كيفية التخلص منها. تقول صاحبة الرسالة "أنا موظفة في إحدى الوزارات الحكومية، ينتهي عملي عند الساعة الثانية، حين أعود إلى المنزل بعد زحمة شوارع الرياض يكون أطفالي الخمسة في انتظاري، بعد أن أحضرهم والدهم من المدارس، أكبرهم في الصف السادس وأصغرهم في الحضانة. بمجرد دخولي أخلع عباءتي وأدخل المطبخ لتحضير الغداء. وهكذا يستمر يومي ما بين مذاكرة ورعاية وطبخ وتنظيف لعدم وجود خادمة تساعدني، نظرا لظروفنا المادية أنا وزوجي بسبب أقساط المنزل العقارية التي تلتهم نصف مرتباتنا. ليست المشكلة هنا، بل المشكلة في أنني امرأة مجاملة من الدرجة الأولى، وقد بدأت أضيق ذرعا بمجاملاتي التي أصبحت تجلب لي كثيرا من التعب والوجع والإرهاق النفسي والجسدي، فبحكم وجودنا في مدينة الرياض، أغلب الأقارب حين يزورونها لا بد أن يختاروا منزلنا للإقامة فيه طوال مدة بقائهم، وطوال السنة أكاد أحلف لك سيدتي بأنه لا تكاد تمر إجازة نهاية الأسبوع إلا وعندنا ضيوف، سواء من أقاربي أو أقارب زوجي. سابقا لم أكن أتذمر، بل بالعكس كنت أجامل وأظهر سعادتي بقدومهم وأتحمل الإرهاق والتعب، لكن الآن لم أعد قادرة على ذلك، فأطفالي أصبحوا خمسة وأحوالنا المادية لم تعد كما كانت، والوظيفة أصبحت لها متطلبات أكثر "يعني من الآخر أنا طفشت". حين قررت أن أتوقف عن مجاملتهم والاعتذار عن استقبالهم، غضبوا مني وسمعت من الكلام والقيل والقال ما "سم بدني"، فعدت إلى المجاملة مرة أخرى، لكن أنا فعلا تعبت، لم أعد أتحمل، مع العلم حينما نسافر إلى بلدتنا الأم لا يعيرنا أي من هؤلاء الأقارب أدنى اهتمام حتى ما يقولون لنا "اقلطوا على فنجال قهوة"، بماذا تنصحيني؟!". لهذه السيدة ولكثيرات وكثيرين مثلها، أقول: المجاملة أمر إيجابي، له وقع رائع على الروح، لكن حين تشكل عبئا على النفس والجسد وتجد معاناة نفسية وجسدية، فهنا لا بد من التوقف. ليس مطلوبا منك أن تحمل نفسك فوق طاقتها حتى تنال رضا الناس ومديحهم، وليس مطلوبا منك أن تكون لطيفا لتلك الدرجة التي تحقق للآخرين فيها توقعاتهم المثالية عنك. أنت في النهاية بشر "وراح تطفش"، وتعلم دوما أن تقول "لا" حين تحتاج إلى قولها! ببساطة يقول الحبيب- عليه الصلاة والسلام-: "لا ضرر ولا ضرار".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها