ماء «المخلل»

تجده رفيقا ملازما للموائد الشرقية وضيفا دائما على السندوتشات الأمريكية، لا تسأل عن لذة تناوله مع الفول أو الطعمية ومع اللحوم المشوية، إنه المخلل، وصفة عملت منذ آلاف السنين لحفظ الأطعمة، ليست الخضراوات فقط، بل حتى الفواكه كانت البلدان الاستوائية الحارة تقوم بحفر حفر كبيرة تغطيها من الداخل بأوراق الموز لتدفن فيها الفواكه للمحافظة عليها من التلف واستخدامها وقت الأعاصير والكوارث! كما لعبت المخللات دورا مهما في رحلة اكتشاف كولومبوس للأمريكيتين عام 1492، رغم اختلاف الناس على أحقيته في هذا الادعاء، إنما الذي يهمنا هنا هو المخلل لا سواه. كان عديد من الرحلات العابرة للمحيطات تواجه بالاعتراض الشديد نظرا لكثرة إصابة البحارة بداء الأسقربوط الذي يصيبهم نتيجة اعتمادهم على الأغذية المقددة في طعامهم، ما سبب لهم نقص فيتامين سي، لكن الأمر اختلف على رحلة كولومبوس، حيث قام المسؤول عن المؤن في سفن الرحلة بنتا وسانتا ماريا المدعو أمريكو فسبوتشي بتخزين كمية كبيرة من المخللات أسهمت في منع انتشار داء الأسقربوط - يقال إن أمريكا استمدت اسمها من تاجر المخللات هذا، الذي أصبح مستكشفا فيما بعد! ومع الوقت مر المخلل بعدة تحولات، أهمها وأغربها ماؤه الذي أصبح دواء وشرابا منعشا! فقد تزايد استخدام ماء المخلل كمشروب للرياضيين بعد ظهور عدة دراسات علمية توصي باستخدامه للرياضيين بالذات، لتقليل الإصابة بالتشنجات، وهي من أسوأ الأمور التي تصيب الرياضيين فجأة، مسببة لهم آلاما حادة في عضلات الساق والركبتين تؤدي إلى هزائم وخسائر فادحة للفرق والأفراد، خصوصا العدائين في السباقات الماراثونية ولاعبي كرة القدم! يردد العلماء منذ عام 2013 أن ماء المخلل يقلل التشنجات العضلية التي كان يعتقد أن وراءه احتواءه على نسب عالية من الأملاح، لكن الواقع أن الخل هو السبب، ليس هذا فقط، بل يعتقد أن للخل تأثيرا منبها على دماغ الإنسان يجعله يرسل إشارات عصبية للعضلات المتشنجة كي تسترخي بمجرد تذوق اللسان طعم الخل. كما وجدوا أن المخلل إذا وضع في الفم حفز إنتاج البروبيوتك التي تعزز جهاز المناعة وتحسن الحالة المزاجية لدى فئران التجارب. وعلى البشر، وجد أنه يقلل من القلق الاجتماعي والاكتئاب بتحفيزه إنتاج مادة السيراتونين! لذلك، قامت محال كاندي التجارية بتسويق وبيع منتجها "مشروب ماء المخلل الغازي" الذي أثار استغراب واستهجان العامة، في محالها وعلى صفحات الإنترنت ليتسنى للراغبين اقتناؤه، لكن سعره يبدو مبالغا فيه، فثمن الزجاجة الواحدة منه قرابة عشرة ريالات، وعلى الإنترنت وصل سعرها إلى 37 ريالا! قال - صلى الله عليه وسلم: "نعم الإدام الخل".