Author

البحث عن نظام عربي جديد

|
نلاحظ في هذه الأيام انتقادات في كل الدول العربية تطالب بإصلاح النظام العربي وتغيير جامعة الدول العربية بحجة أن قرارات الجامعة العربية لم ترق إلى مستوى الأحداث الساخنة التي تمر بها - في هذه الأيام - المنطقة العربية، بل أكثر من هذا، فإن الشارع العربي يرى أن قرارات الجامعة لم تلب الحد الأدنى لآمال الشعوب العربية! وللأسف، الذين ينتقدون الجامعة العربية - وهم كثر - لا يعرفون آليات العمل داخل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. إن جامعة الدول العربية لا تملك أي سلطة، ومن لا يملك السلطة لا يملك القرار، والقانون الإداري يقول "حيث السلطة تكون المسؤولية، وحيث لا سلطة لا مسؤولية"، ومبنى جامعة الدول العربية في ميدان التحرير في القاهرة هو "سكرتارية" للرؤساء والوزراء العرب، وبالتحديد الوزراء العرب هم من يدير الجامعة العربية، ولذلك يطلق على الجامعة اسم "الأمانة العامة"، ويطلق على رئيسها اسم "الأمين العام"، أي السكرتير العام، ومن يعين السكرتير العام هم وزراء خارجية الدول العربية، يصوتون على الاسم المرشح من الدول العربية ويفوز بوظيفة الأمين العام من يحصل على أغلبية الأصوات، بمعنى أن الأمين العام للجامعة العربية يأتي بقرار من دهاليز الدول العربية. وهذا شيء غير مستغرب، حيث إن جميع المنظمات الإقليمية تدار بالآليات نفسها. خذ مثلا مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك الاتحاد الإفريقي، بل حتى منظمة الأمم المتحدة، فالقرارات تتخذها الدول الأعضاء وليس الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ووظيفة الأمين العام للأمم المتحدة هي تنفيذ القرارات! إن العمل في الجامعة العربية يبدأ من الوزراء العرب "كل في مجال تخصصه"، الوزراء يجتمعون ويقررون، ويطلبون من الجامعة "السكرتارية" التنفيذ وإصدار القرارات التي اتخذها الوزراء، ووظيفة الجامعة هنا هي تبليغ الدول الأعضاء بالقرارات التي اتخذها الوزراء العرب كل في مجاله. فمثلا، وزراء الخارجية العرب يجتمعون في بيت العرب "الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة" ويصدرون قراراتهم السياسية كما يراها الوزراء وليس كما تراها الجامعة، ثم ينفض اجتماع وزراء الخارجية العرب، ويأتي دور الجامعة "الأمانة العامة"، حيث تقوم بإرسال القرارات التي اتخذها وزراء الخارجية العرب إلى الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والدولية. والشيء نفسه بالنسبة لوزراء الاقتصاد العرب، ووزراء الداخلية العرب، ووزراء الإعلام العرب، ووزراء العدل العرب، ووزراء العمل العرب، ووزراء البيئة العرب ووزراء الاتصالات والمواصلات والمياه والكهرباء... هذه هي آليات العمل داخل أروقة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بمعنى أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لا تصنع القرارات وليس من اختصاصها اتخاذ موقف ما تجاه قضية ما، إنما وظيفتها تنفيذ قرارات يتخذها الوزراء العرب الأعضاء كل فيما يخصه! وفي ضوء ذلك، فإن تحميل الأمانة العامة مسؤولية عدم اتخاذ قرارات ترضي الشارع العربي، كلام يصدر من أناس لا يعرفون طبيعة العمل داخل أروقة الجامعة، فالجامعة في مبناها في ميدان التحرير في القاهرة هي عبارة عن مبنى وموظفين يرأسهم أمين عام منتخب من قبل الدول الأعضاء، ومطلوب منهم تنفيذ قرارات يتخذها الملوك والأمراء والرؤساء والوزراء في الدول العربية الأعضاء. إن إصلاح النظام العربي لا يبدأ من الجامعة العربية، إنما يبدأ من الدول العربية الأعضاء في الجامعة، هذه الدول تجتمع في رحاب الجامعة، بيت العرب، وتبدأ بإصلاح النظام العربي من خلال تعديل وتطوير ميثاق جامعة الدول العربية بما يتناسب مع المستجدات وبما يجعل للجامعة "أقصد للدول العربية كلها" دورا يتواءم مع المستجدات في الساحتين الإقليمية والدولية. ويجب أن نعترف بأن غياب الدور العربي مهد الطريق لدول إقليمية أخرى غير عربية بالتدخل في شؤون بعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. إزاء هذا الضعف العربي والمخاطر التي تحيط بالدول العربية، فإن الحديث عن نظام عربي جديد أصبح ضرورة من ضرورات العمل العربي المشترك، لكن ما يجب عمله هو أن إصلاح النظام العربي يجب أن تكون بداياته صحيحة، وحتى تكون بدايات إصلاح النظام العربي صحيحة، فإن فكرة إلغاء الجامعة العربية فكرة خاطئة، ولو أردنا أن نعدد الفوائد الجمة التي قدمتها ويقدمها بيت العرب للدول العربية الأعضاء، فإنها فوائد ومغانم جمة وكثيرة، ولولا وجود الجامعة التي تحتضن الاجتماعات الدورية للوزراء العرب، لانفرط عقد عالمنا العربي وذهبت كل دولة عربية إلى مصير غامض ومجهول! إن تعديل وتطوير ميثاق جامعة الدول العربية هو المقدمة المطلوبة فورا لبناء نظام عربي جديد يحقق آمال الشعوب العربية، ويطرد الدول التي استغلت الضعف العربي واحتلت القرار العربي في دول تنتسب إلى بيت العرب ولها مقعد دائم في المنظومة العربية، وواجب الجامعة العربية أن تعيد هذه الدول إلى الحضن العربي عن طريق إعادة بناء النظام العربي على أسس وقواعد تعيد للدول العربية استقلالها وسيادتها.
إنشرها