FINANCIAL TIMES

في الأزمات .. أحيانا لا تروى القصة كاملة

في الأزمات .. أحيانا لا تروى القصة كاملة

لقد حان الوقت للاعتراف بأنني حجبت متعمدا معلومات مهمة عن القراء. قبل عشر سنوات كانت الأزمة المالية في أسوأ حالاتها، وأعتقد أنني فعلت الصواب. لكن بعد مرور عقد على أزمة عام 2008 (التي امتلأت صفحاتنا الرئيسية بالحديث عنها منذ تلك الفترة)، أحتاج لمناقشة الأمر.
تلك اللحظة جاءت في 17 أيلول (سبتمبر)، بعدها بيومين أعلن "ليمان" إفلاسه. ذلك الأربعاء كان - بالنسبة لي - أكثر أيام الأزمة رعبا، عندما كان النظام المالي العالمي أقرب إلى الانهيار التام. لكنني لم أكتب أمرا كهذا في "فاينانشيال تايمز".
أُذيع خبران من الأخبار الحاسمة مساء الثلاثاء. أولا، تلقت مجموعة التأمين الدولية الأمريكية AIG خطة إنقاذ بقيمة 8.5 مليار دولار. احتاجت إليها لأنها اضطرت إلى دفع ثمن معاملات مقايضة الائتمان في حالة التخلف عن السداد التي كانت تضمنها. وبدون هذه الضمانات، فإن السندات الموجودة في الميزانيات العمومية للمصارف، التي يفترض أنها لا تكون محفوفة بالمخاطر، ستُعتبر بدلاً من ذلك عديمة القيمة. ومن شأن ذلك أن يجعل كثيرا من المصارف التي تحتفظ بها على الفور مفلسة من الناحية الفنية. ويعتقد الكثيرون أن فشل مجموعة التأمين الدولية الأمريكية قد يعني انهياراً فورياً للنظام المصرفي الأوروبي، الذي احتفظ بقدر كبير من سندات الائتمان الأمريكية الضعيفة.
يشير إفصاح الولايات المتحدة عن تقديمها الكثير من الأموال إلى أنه لا يمكن الوثوق بضمانات مجموعة التأمين الأمريكية - فما هي الضمانات التي يمكن أن تكون جيدة للحصول على قرض؟
في الوقت نفسه، أعلن "ريزيرف فند"، أكبر صندوق استثمار مشترك مستقل في سوق المال في الولايات المتحدة، عن خسائر في ممتلكاته من سندات بنك ليمان. ونتيجة لذلك سينخفض سعرها إلى أقل من دولار واحد للسهم.
كان هذا مرعبا لأن صناديق أسواق المال، التي تحتفظ بسندات قصيرة الأجل ، كانت تعامل على أنها مضمونة. لم يسبق لأي صندوق في أسواق المال أن "كسر سعر الدولار" (أو انخفض إلى سعر أقل من دولار).
كانت الصناديق عملاء أساسيين للديون قصيرة الأجل. إذ كيف يمكن للمصارف أو الشركات الكبرى تمويل نفسها بدونها؟ هرع المستثمرون إلى سحب الأموال من صناديق الأموال، في الوقت الذي ترك فيه مديرو الصناديق سندات الشركات من أجل السلامة مع سندات الخزانة الأمريكية.
كان هذا تدافعا لسحب الودائع المصرفية. كانت ملاءة المصارف الكبرى في وول ستريت محل تساؤل. وسط الفوضى، انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى أدنى مستوياته منذ بيرل هاربر. الناس اليائسون كانوا بحاجة إلى الأمان؛ أسعار الفائدة لا تهم.
على عكس التدافع الذي حدث عام 2007 لسحب الودائع من "نورثرن روك" في المملكة المتحدة، لم يكن أي شيء من ذلك واضحا وظاهرا هذه المرة. لم تتشكل طوابير لشراء سندات الخزانة. لكن الذين تحدثت معهم ممن يعملون في وول ستريت كانوا يعتقدون أن النظام المصرفي كان يواجه خطر الانهيار.
وتصادف أن كان لدي كثير من المال في حسابي المصرفي في سيتي بانك. كان رصيدي فوق الحد الذي يغطيه التأمين على الودائع في الولايات المتحدة، لذا إذا أفلس سيتي، وهو حدث لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام لكنني أستطيع أن أتخيله الآن، فسوف أخسر المال إلى الأبد.
في ساعة الغداء توجهت إلى سيتي وأنا أخطط لسحب نصف أموالي ووضعها في حساب في فرع "تشيس" المجاور. هذا من شأنه أن يضاعف المال الذي أمنت عليه.
كنا في وسط مانهاتن، محاطين بمكاتب المصارف الاستثمارية. في سيتي وجدت طابورا طويلا، وكان جميع العاملين في وول ستريت يرتدون ملابس جيدة. جميعنا كنا نفعل الشيء نفسه. وفي الجوار كان فرع تشيس مليئاً بالمصرفيين الحريصين.
بمجرد أن وصلت إلى مسؤولة العلاقات، التي كانت رائعة بالفعل، أخبرتني أنها ونظيرها في فرع تشيس اتفقا على خطة عمل. لن أكون بحاجة إلى فتح حساب في مصرف آخر.
مستخدمة قائمة النقاط، سألتني ما إذا كنت متزوجاً ولدي أطفال. ثم فتحت حسابات ذات أغراض خاصة لكل من أطفالي، وحسابا مشتركا مع زوجتي. في بضع دقائق ضاعفت تغطية التأمين على الودائع الخاصة بي أربع مرات. لقد أصبحت الآن مكشوفاً للعم سام، وليس سيتي. قالت لي بابتسامة إنها كانت تفعل هذا طوال الصباح. حتى ذلك الأسبوع لم تكن هي، ولا صديقتها في تشيس، تتلقى أي طلبات من هذا القبيل.
كنت أجد صعوبة في التنفس. كان هناك اندفاع لسحب الودائع في الحي المالي. الناس الذين يشعرون بالذعر هم العاملون في وول ستريت الذين فهموا تماما ما كان يحدث.
كل ما كنت بحاجة إليه هو الحصول على مصور لالتقاط بعض اللقطات للمصرفيين الذين يرتدون ملابس أنيقة وهم يصطفون لسحب أموالهم، واكتب تعليقا يوضح الأمر.
لم نفعل هذا. ربما يكون نشر مثل هذا الموضوع على الصفحة الأولى في "فاينانشيال تايمز" كافيا لدفع النظام إلى الهاوية. بالتالي لم يتلق قراؤنا أي تحذير، وبدوره لم يتلق النظام تلك الوخزة الأخيرة التي تدفعه إلى حالة من الذعر.
هل كانت تلك هي الخطوة الصحيحة؟ أعتقد ذلك. كذلك تجنب جميع منافسينا من الصحف أي صور لفروع المصارف الموجودة في مانهاتن. الحق في حرية التعبير لا يعطينا الحق في الصراخ والقول إن هناك حريقا في سينما مزدحمة. كان هناك خطر نشوب حريق وربما كنا سنشعل الشرارة من خلال الصراخ.
بعد بضعة أسابيع، تم رفع الحد الأعلى لحماية الودائع من 100 ألف دولار إلى 250 ألف دولار عن طريق مشروع قانون الاستقرار الاقتصادي في حالات الطوارئ الذي أقره الكونجرس.
بعد عشر سنوات، المصارف الأمريكية هي اللاعب الوحيد فعليا في العالم المالي والأكثر أمنا بشكل واضح مما كانت عليه من قبل. لقد وفروا رأس المال ونموه، وأصبح الآن خطر حدوث الانهيار المفاجئ أبعد بكثير مما كان عليه في السابق.
المشكلة حاليا هي أن التخلص من هذا الخطر أعاق مهمة الحد من المخاطر الأخرى. الآن تكمن المخاطر في أسعار الأصول المتضخمة، والاستثمارات القائمة على الرفع المالي، وفي صناديق التقاعد التي تحتفظ بها. الأزمة التالية لن تكون متعلقة بالمصارف، بل بالخطر الخفي الذي يجعل صناديق التقاعد تنكمش، تاركة جيلا بلا أموال كافية للتقاعد.
الأخبار السيئة هي أنها أزمة دائما يمكن أن ينتظر حلها يوما آخر، ويستطيع السياسيون تجاهلها. أما الأخبار الجيدة؛ أنني لست بحاجة إلى التزام الصمت هذه المرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES