Author

الليرة التركية .. إلى الهبوط سر

|
تواصل الليرة التركية محنتها أمام العملات الأجنبية الرئيسة، ولا سيما الدولار الأمريكي. وهذه الحالة طبيعية انطلاقا من الأداء الاقتصادي العام في تركيا، وارتباطه بالتدخلات المباشرة من قبل رئاسة البلاد. والضغوط على ليرة تركيا لا تبدو أنها ستتوقف في الأشهر المتبقية من العام الجاري، لأن المسار الاقتصادي الوطني مضطرب، ويعاني أزمة حقيقية تسبق حتى بدء انهيار الليرة مع بداية العام الحالي. والمسألة ترجع لعدة سنوات خلت، إلا أنها استفحلت في أعقاب التدخل المباشر للرئيس رجب طيب أردوغان في رسم الأسس التي يقوم عليها المسار الاقتصادي، وذلك على عكس رأي الخبراء والمسؤولين الاقتصاديين، بمن فيهم أولئك الذين يؤيدونه سياسيا. فهؤلاء متأكدون أن ما يجري على الساحة بشكل عام هو السبب الرئيس في تردي الوضع الاقتصادي، وعلى رأسها تراجع الليرة بمعدلات مخيفة منذ مطلع العام الحالي. الليرة التركية جاءت أخيرا في مكانة الأضعف أمام الدولار مقارنة ببقية العملات الأخرى. وقد خسرت "كما هو معروف" ما يزيد على 49 في المائة من قيمتها منذ بداية السنة، ولم تتمكن التحركات المساندة في دفعها إلى الأعلى، أو على الأقل وقف تراجعها، بما في ذلك التعهد القطري بضخ 15 مليار دولار كاستثمارات مباشرة في تركيا، وكذلك التعامل بالعملتين المحليتين، وغير ذلك من مساندة تحولت مباشرة إلى إعلامية أكثر منها عملية. ورغم المشاكل السياسية بين تركيا والولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة تستطيع أن تؤكد أنها ليست السبب في تردي الأوضاع الاقتصادية، لأنها تنحصر في سياسات خاطئة للرئيس نفسه، خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة التي استحوذ بعدها على كل مؤسسات صنع القرار الوطني. وتركيا لم تترك في الواقع صديقا لها ذا قيمة. فحتى أوروبا التي لا ترغب في رؤية انهيار اقتصادي شامل في تركيا، لا ترغب أيضا في توفير الدعم اللازم لها في هذا الوقت بالذات. والسبب يبقى نفسه، وهو سوء العلاقات السياسية مع أنقرة. المشكلة الأساسية تبقى أن تركيا تعاني ديونا خارجية تصل إلى أكثر من 450 مليار دولار، وتمثل في الواقع ما يقرب من 49 في المائة من ناتجها المحلي، وهناك ما يزيد أيضا على 190 مليار دولار مستحقة التسديد في العام المقبل. أضف إلى ذلك الاضطراب السياسي على الساحة المحلية، فالناتج هو هذا الذي نشهده حاليا. ولا يرغب أردوغان "حتى الآن" بالتراجع عن مفهومه الغريب لإدارة دفة الاقتصاد، الذي يقوم به، إجراء تغييرات في أوساط القيادات الاقتصادية تزيد من الأمر غموضا. ومثل هذه الخطوات تقوم بها عادة البلدان التي تواجه انهيارا اقتصاديا "مثل إيران مثلا"، وبالتالي فإنها تخيف كل الأوساط الاقتصادية العالمية، وفي مقدمتها - بالطبع - الجهات الاستثمارية التي وجدت أنه من الأفضل التريث في ضخ أموال في تركيا حتى تتضح الصورة أكثر، فضلا عن خروج بعض المؤسسات التي ترى أن الأجواء ليست مواتية للبقاء. من هنا، ستبقى العملة التركية في طور الاهتزاز والتراجع، بينما يأمل حتى أنصار أردوغان أن تبقى عند حدود ست ليرات للدولار الأمريكي الواحد! التطورات الراهنة على الساحة ليست في مصلحة الأتراك، والضغوط التي تتعرض لها البلاد ستتواصل وسينتج عنها مزيد من التراجعات ليس في قيمة الليرة، بل في أداء الاقتصاد الوطني كله.
إنشرها