Author

هل ستنقلب السويد على «إنسانيتها»؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
توصف دولة السويد في الصحافة الغربية أحيانا بأنها "قوة عظمى"، لكن من ناحية النظرة الإنسانية السمحاء التي تشربت بها منذ عقود وجعلتها شعلة لمحيطها وخارجه. هذه الدولة الصغيرة التي لا تتجاوز نفوسها تسعة ملايين نسمة قدمت المأوى لنحو 400 ألف أجنبي طلب اللجوء إليها في غضون السنين الست الماضية، ونحو 163 ألفا منهم قدموا إليها في عام 2015، العام الذي شهد موجة نزوح كبيرة من الشرق الأوسط وغيره من البلدان صوب أوروبا. ولأنها "عملاق إنساني"، هكذا توصف أحيانا، كانت السويد دائما تتباهى بأنها أكثر البلدان الغربية تسامحا حيث إنها تأوي أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى مجموع السكان. لكن كل هذه السمعة الطيبة صارت على المحك. المراقب للخطاب السياسي، لا بل الممارسة السياسية في هذا البلد الذي طبق نموذجا إنسانيا رائعا حتى الآن يلاحظ أن الأمور بدأت تتغير، وأن هناك شعورا متزايدا وحركة تدب في صفوف مكونات المجتمع السويدي، هدفها كره الأجانب والتضييق عليهم وغلق أبواب السويد في وجه الهاربين من الظلم والمأساة في بلدان أخرى. لا أستطيع التنبؤ بنتائج الانتخابات التي ستجرى بعد يومين "التاسع من هذا الشهر"، إلا أن الاستطلاعات تشير إلى أن الحزب الشعبوي، المعادي للأجانب واللاجئين، الذي يحمل أجندة يمينية متطرفة في طريقه لتحقيق نتائج كبيرة قد تقلب الطاولة في البرلمان السويدي القادم. حزب "ديمقراطيو السويد" رغم أنه حتى الآن لم يشترك في السلطة فعليا، إلا أنه استطاع أن يترك بصماته الواضحة على مجمل السياسة السويدية الداخلية. فماذا سيكون الوضع لو خرج، كما تقول الاستطلاعات إما أولا أو ثانيا، "وهذا ما يضعه الكل في الحسبان" في تسلسل الأحزاب التي تتنافس على مقاعد البرلمان. الحزب اليميني المتطرف هذا له حاليا 42 مقعدا في البرلمان، حيث حصل على 13 في المائة من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2014. كل التوقعات تقول إنه في أقل تقدير سيضاعف عدد مقاعده. وإن حدث ذلك فمن الصعوبة النجاح في محاولات إقصائه من المشاركة بشكل ما في الحكم وفي برلمان يبلغ عدد مقاعده 349. والنتيجة التي سيحصل عليها حزب "ديمقراطيو السويد" ستكون لها تبعات على مساحة أوروبا برمتها. هذا الحزب جذوره تنبع من حركة النازيين الجدد وقد نشأ وتربى على خطابها. نجاحه حتى الآن أعطى دفعة كبيرة للأحزاب اليمينية المتطرفة ذات الأبعاد الأيديولوجية المتشربة بالنازية الجديدة في الغرب. القلق مشروع من تقدم هذا الحزب المتطرف المعادي للأجانب بصورة عامة لأن وجوده حتى الآن وبهذه الكثافة قد أجبر هذه الأحزاب الكبرى الأخرى على تبني كثير من أجندته وهو خارج الحكم. تعاظم مكانته أتى على حساب الأحزاب الكبيرة الأخرى، وهو لا يزال يأكل من جرفها. فقد لاحظنا في السنتين الأخيرتين كيف أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وهو يساري التوجه وأكبر الأحزاب السويدية ومعه حزب المحافظين، ثاني أكبر حزب في السويد، يغيران من بوصلة توجهاتهما وخطابهما الذي قد لا تميزه كثيرا في بعض الأحيان عن خطاب الحزب اليميني المتطرف "ديمقراطيو السويد". الحزبان الآن يتبنيان سياسة يمينية البوصلة. وحزب البيئة "الخضر" الذي يشترك في الحكم مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف حاليا، يفتخر بأنه كان وراء تضييق الخناق على اللاجئين وسد الطرقات في وجه الهائمين في الأرض للقدوم إلى السويد. والغريب في الأمر أن رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي إليه يعزى أغلب الإنجازات الإنسانية في السويد يتبارى الآن مع الآخرين في تبني سياسات قاسية في المستقبل بقدر تعلق الأمر بمنح اللجوء أو قبول لاجئين جدد. التصور الحالي لدى الأحزاب الكبيرة كافة التي خسرت من شعبيتها في الانتخابات الأخيرة لمصلحة "ديمقراطيو السويد" هو تبني سياسات يمينية حازمة لاسترجاع ما خسرته. يستغرب كثير من السويديين وهم يرون أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعد الناخبين بأنه سيقطع المعونات عن اللاجئين غير الموثقين وسيعمل على طردهم ومعهم كل من يفشل في الحصول على اللجوء بسرعة. وذهب المحافظون أبعد من ذلك إلى وعد الناخبين بأنهم سيخفضون نسبة الدعم الحالي المقدم إلى اللاجئين. حتى الآن لم يؤثر – كما يبدو – خطاب اليمين المتطرف في السويد في الأحزاب الكبيرة من حيث إلقاء اللوم على الأجانب واللاجئين عن أي سلبية تحدث في المجتمع السويدي، منها الجرائم بكل أشكالها ودون أن يكون هناك دليل أو سند علمي لذلك. وهكذا يحقق حزب "ديمقراطيو السويد" هدفه بجعل خطابه مادة دسمة للأحزاب الكبيرة الأخرى التي كانت تتباهى حتى الآن بإنسانيتها وربما لن يمضي زمن طويل – وهذا ما أخشاه شخصيا – حتى نصبح لا نميز كثيرا بين حزب يميني متطرف كان يتبنى إلى وقت قصير أدبيات النازية الجديدة في السويد وبين الأحزاب السويدية الكبيرة، وعلى الخصوص "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الذي حكم السويد في معظم الفترة بعد الحرب العالمية الثانية. وبهذا سيصبح مصطلح إن السويد "عملاق إنساني" شيئا من الماضي.
إنشرها