الطاقة- المعادن

قاعدة «الذهب ملاذ آمن» تغادر الخدمة .. لم تقتنص نزيف العملات

 قاعدة «الذهب ملاذ آمن» تغادر الخدمة .. لم تقتنص نزيف العملات

يتساءل عديد من المختصين وكبار تجار الذهب في العالم، عن الأسباب التي جعلت المعدن النفيس يفشل حتى الآن، في الاستفادة من الاضطرابات التي يشهدها كثير من عملات الأسواق الناشئة، خاصة الليرة التركية والبيزو الأرجنتينية.
ولا تزال أسعار الذهب متدنية إذ يتجاوز السعر 1200 دولار للأونصة بقليل، وسط توقعات متضاربة حول مستوى الأسعار في المستقبل.
وربما يكون مصدر التساؤل أن الذهب عادة يميل إلى الارتفاع في أوقات الاضطرابات المالية، ويضحي الملاذ الآمن لصغار المستثمرين والمضاربين عندما تتجه العملات المحلية إلى الانخفاض، إلا أن تلك القاعدة لا يبدو أنها مفعلة في الوقت الحالي.
ولا شك أن سوق الذهب العالمية تتابع عن كثب التطورات السلبية للاقتصاد التركي، حيث إن التقلبات السلبية لليرة وارتفاع أسعار الذهب محليا ودعوة الرئيس أردوغان للدفاع عن العملة، أبقى مستهلكي التجزئة والمستثمرين بعيدا عن الأسواق.
وتعد تركيا نموذجا يثير قلق كثير من المؤسسات المعنية بالذهب وأسعاره في العالم، إذ يمكن أن يمتد هذا الوضع إلى دوائر مماثلة في أمريكا الجنوبية إذا ما امتد تدهور البيزو الأرجنتينية إلى البلدان المجاورة.
والأكثر خطورة أن تشهد الصين وضعا مماثلا إذا أدت الحرب التجارية القائمة مع الولايات المتحدة إلى انعكاسات سلبية على قيمة اليوان.
ويبلور الطلب العالمي المنخفض على المعدن النفيس طبيعة الأزمة التي يعانيها الذهب حاليا، ففي الربع الأول من هذا العام لم يتجاوز الطلب على الذهب سقف 959.9 طن وهو الأدنى منذ عام 2009، وعلى الرغم من تحسن الطلب في الربع الثاني فإنه تحسن طفيف إذ وصل بالكاد إلى 964.3 طن من المعدن النفيس.
ويؤكد لـ "الاقتصادية" ألفي أنجوس كبير المحللين الماليين في بورصة لندن أن انخفاض الطلب على المجوهرات بنسبة 2 في المائة لتمثل 510.3 طن من إجمالي الطلب، كان السبب الرئيسي في انخفاض الطلب على المعدن النفيس، مبينا أن السبب الرئيسي في انخفاض الطلب على المجوهرات يعود إلى حالة الضعف التي انتابت الأسواق الهندية، كما أن طلب البنوك المركزية في الربع الثاني انخفض بنسبة 7 في المائة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي ما يجعله مفضلا لدى محافظي البنوك المركزية مقارنة بالمعدن النفيس.
مع هذا فإن بعض المختصين يعتقدون أن هذا التراجع في الطلب خلال النصف الأول من العام الجاري لا يجب أن يحول دون رؤية بعض الجوانب الإيجابية في مشهد الطلب على الذهب مستقبلا.
استون دريك الباحث في اتحاد السبائك يشير لـ "الاقتصادية" إلى أن طلب الصناعات التكنولوجية على الذهب يولد شعورا بالارتياح المستقبلي، حيث إنه خلال الربع الثاني زاد طلب هذا القطاع على المعدن النفيس بنحو 2 في المائة، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، حيث بلغ 83.3 طن، وإذا أخذ في الحسبان النمو المتواصل لهذا القطاع فإن هذا يعني زيادة الطلب على الذهب مستقبلا.
وانخفاض الطلب الاستثماري على الذهب ممثلا في الطلب على السبائك والعملات المعدنية يعد أحد عوامل القلق التي تنتاب الأسواق، إذ إن الطلب الاستثماري على المعدن النفيس لم يزد خلال الربع الثاني عن 33.8 طن مقابل 62.5 طن في ذات الفترة من عام الماضي.
وكانت التوقعات أن يزيد الطلب الاستثماري على الذهب في الربع الثاني من هذا العام، نظرا للتقلبات في سوق الأسهم العالمية، إلا أن هذا لم يحدث بسبب تركيز المستثمرين في الولايات المتحدة على الفرص الاستثمارية المتاحة في مجالات أخرى.
لكن مشكلة أسواق الذهب لم تقف عند حدود انخفاض الطلب، إذ شهد الإنتاج العالمي تحسنا ملحوظا، ما زاد الفجوة بين الطلب والعرض.
بدوره، يقول لـ "الاقتصادية" هاري ليام المختص الاستثماري، "الربع الثاني شهد زيادة كبيرة في إنتاج المعدن الأصفر، وزاد إنتاج مناجم الذهب بنحو 4 في المائة مقارنة بالربع الأول من العام الجاري، كما ارتفعت معدلات إعادة تدوير الذهب بنسبة 4 في المائة في الربع الثاني أيضا، والسبب في ذلك افتقاد الأتراك والإيرانيين القدرة المالية على شراء ذهب جديد، بسب الأوضاع الاقتصادية السلبية في البلدين".
وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن المنتج من الذهب ارتفع على المستوى الدولي في الربع الثاني من عام 2018 إلى 1120.2 طن مقارنة بـ 1086.1 طن في الربع الثاني من العام الماضي، أي بزيادة تقدر بـ 2 في المائة.
ونمو الإمدادات من إنتاج مناجم الذهب التي بلغت 835.5 طن، يعود في الأساس إلى تحسن الإنتاج لدى كبار المنتجين للخام الأصفر.
لي ميسن المختص السابق في مجلس الذهب العالمي يؤكد أن انخفاض إنتاج الذهب في بعض الدول الرئيسية تم تعويضه بزيادة الإنتاج في دول أخرى.
ويقول لـ "الاقتصادية"، "إن الاستثمارات الصينية والإصلاحات الجوهرية التي أدخلتها الصين على عمليات إنتاج الذهب عام 2017 أسفرت عن انخفاض الإنتاج في أكبر دولة منتجة للذهب بنحو 5 في المائة، وكذلك انخفض الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية، في المقابل زاد الإنتاج الروسي بنحو 16 في المائة وكذلك في إندونيسيا بنسبة 18 في المائة، وفي تنزانيا بنسبة 21 في المائة، وهذا بالطبع ساعد على زيادة إجمالي الإنتاج الدولي".
لكن أيا كانت معادلة العرض والطلب فيما يتعلق بالذهب فإن هيكل الاستهلاك العالمي فيما يتصل بكبار المستهلكين لم يتغير كثيرا، إذ ظلت الصين والهند على الرغم من تراجع الاستهلاك لديهما تحتلان المرتبة الأولى والثانية في الطلب العالمي.
من جهته، يعتقد الدكتور مارك جونسون أستاذ الاقتصاد الدولي أن هناك مجموعة من العوامل ستظل لسنوات مقبلة تساعد على جعل الصين والهند في مقدمة سلم المستهلكين العالمي للمعدن الأصفر.
ويلفت لـ "الاقتصادية" إلى أنه رغم القفزات التي حققها الاقتصاد الصيني والهندي في السنوات الماضية، إلا أنه بالنسبة إلى الطبقات الفقيرة تظل للذهب وضعية خاصة، لما يمثله من ضمان أكثر ثباتا من القنوات الاستثمارية الأخرى، كما أن مجموعة القيم الاجتماعية التي تسود تلك المجتمعات، خاصة في المناطق الريفية تجعل الإقبال على الذهب كبيرا للغاية، فإذا أخذ في الحسبان الكثافة السكانية في البلدين فمن المنطقي أن تظل الصين والهند في مقدمة المستهلكين.
في ضوء ذلك المشهد يبقى السؤال حول الأسعار المتوقعة للذهب في الأشهر المتبقية من هذا العام والربع الأول من العام المقبل أحد أبرز التساؤلات المطروحة بالنسبة إلى المضاربين والراغبين في الاستثمار.
ويعتقد مجلس الذهب العالمي أن المعدن الأصفر وصل حاليا إلى مستويات منخفضة للغاية، وأن الأجواء مؤهلة لأن ترتفع الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
وجهة النظر تلك تجد مساندة من عدد من المؤسسات المعنية بتجار الذهب من بينها شركة "ماتل فوكس" التي أشارت إلى أن أسعار الذهب قد تراوح بين 1290-1360 بحلول الربع الأول من العام المقبل، ويبدو سعر 1360 أقرب إلى توقعات مجموعة ملحوظة من المضاربين.
لكن تحليلات "دويتشة بنك" الألماني لا تنسجم كثيرا مع تلك التقديرات، حيث يعتقد المحللون في المصرف أن الأسعار لن تتجاوز حدود 1250 دولارا للأونصة خلال الـ 12 شهرا المقبلة.
ويقول ألفي أنجوس "ربما يبدو سعر 1360 دولارا للأونصة بحلول الربع الأول من العام المقبل مبالغا فيه، خاصة مع احتمال رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وربما السعر الأكثر منطقية 1300 دولار للأونصة أو أقل، ولمزيد من الدقة فإن الأسعار ربما تتجاوز 1250 دولارا للأونصة، لكنه يصعب توقع تجاوزها حاجز 1300 دولار".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن