Author

هل يدعم إلغاء القيود على الوافدين التوطين؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أوصى صندوق النقد الدولي بلادنا بإيجاد بيئة تحقق التكافؤ بين الوافدين والمواطنين، عن طريق إلغاء القيود على العمالة الوافدة، وهي توصية ليست بجديدة، بل كررها الصندوق عدة مرات خلال السنين الماضية. وبنفسي ناقشتها مع مستشاري الصندوق إبان عملي في وزارة المالية قبل بضعة عشر عاما. هدف التوصية دعم توظيف المواطنين ومحاربة البطالة، لكن هذا الهدف غير مفهوم لدى كثيرين. بل تعرضت التوصية للنقد. وأكاد أجزم أن مصدر النقد سوء أو ضعف فهم لتوصية الصندوق. إن المطلوب فهم الكلام قبل نقده. وما أكثر الجدالات أو الاتهامات المبنية على مشكلة في الفهم. سأضرب مثلين لعلهما يساعدان على فهم أثر القيود في العمالة الوافدة بزيادة الطلب عليها. الأول: تخيل أنك ذهبت إلى معرض لشراء آلة معمرة كالثلاجة. وتخيل وجود ثلاجة مستوردة عليها ضمان ثلاث سنوات، وثلاجة مصنوعة محليا عليها ضمان شهور فقط. وتخيل أن مواصفات وسعر كل ثلاجة هو نفسه. وأن استهلاك المحلية للكهرباء ليس أقل من المستوردة. ما النتيجة؟ ستشتري عادة المستوردة. والسبب أن الواحد منا يقدم مصلحته. وإذا كان في المستوردة ميزات أخرى كأن يكون سعرها أقل، فإن تفضيلك لها سيزيد. الثاني: تخيل أن عقوبات السائقين الوافدين أعلى من عقوبات السائقين المواطنين للمخالفات نفسها في دولة من الدول. ما النتيجة؟ سيكون الوافدون في العادة والغالب أقل تهورا وأكثر انضباطية في القيادة، وتبعا سيفضل توظيفهم أصحاب العمل. المثالان السابقان ينطبقان على سوق العمل. كيف؟ نظام العمل في بلادنا واحد، لكن نظام الإقامة يفرض قيودا على الوافدين، وهي قيود تحفز المنشآت على تفضيل توظيفهم. لدينا طرفان طالب وظيفة وصاحب عمل. وكل طرف من الطرفين يبحث عما يحقق أعلى مصلحة له وأقل مضرة عليه. هذه سنة الله التي خلق البشر عليها. ومن يجادل في هذا فإنما يجادل في سنن خلق الله البشر عليها. وتطبيقا للكلام السابق، يبحث طالب الوظيفة عن الوظيفة التي يتوقع أن تحقق له أعلى مصلحة يراها في تقديره وميزانه مقابل عمله. وتتمثل هذه المصلحة في الراتب والبدلات والإجازات ومواعيد الدوام والميزات، وغيرها. وتتمثل أيضا في تقدير الضرر الذي يتوقع أن يصيبه خلال عمله. في المقابل، يبحث صاحب العمل عن أعلى مصلحة يتوقعها مقابل ما يدفعه. وتتمثل هذه المصلحة في مقارنة المنافع التي يتوخى الحصول عليها مقابل التكاليف التي يدفعها للموظف أو تنشأ من توظيفه "مثل تكاليف توفير تأمين صحي للموظف وعائلته"، ومقابل الأضرار التي يحتمل حصولها بسبب الموظف. ما الذي حصل ويحصل في بلادنا فيما له علاقة بموضوعنا على مدى عشرات السنين؟ لدينا نظام إقامة يفرض قيودا على الوافد، وعلى رأسها تقييد حريته في تغيير صاحب العمل. وتسمى هذه الحرية في أدبيات اقتصاد العمل labor mobility. وهذه القيود تطبع بها سوق العمل لدينا عبر عشرات السنين. إنها صنعت ميزة في الوافد، لا توجد في المواطن من منظار مصلحة أصحاب العمل، والنتيجة تفضيل أصحاب العمل الوافد على المواطن، إلا في حالات لاعتبارات خاصة بها. وزاد الطين بلة أن الوافد غالبا من بلد ذي دخل منخفض بالنسبة إلى بلادنا، ما يعني أنه يتسلم في بلادنا أجرا أعلى مما يتسلمه في بلاده كثيرا، وهذا يعني مزيد انضباط وحرص من الوافد على الوظيفة. وكلامي كله على العمل بطريقة نظامية. ما المطلوب إذاً؟ تقليل ميزات توظيف الوافد، وهذا ما قصده الصندوق بقوله "إيجاد بيئة تحقق التكافؤ بين الوافدين والمواطنين عن طريق إلغاء القيود على العمالة الوافدة". إلغاء القيود يعني منح الوافد حق تغيير صاحب العمل labor mobility، بعد فترة عمل تقرر. لكن لا بد أن يصاحب الإلغاء تضييق باب إصدار التأشيرات الجديدة، بحيث لا تعطى إلا في نطاق ضيق وتحت ظروف خاصة واشتراطات. تطبيق الترتيبات السابقة يتطلب طبعا ضوابط وتفاصيل ومناقشات كثيرة، بحثها خارج نطاق المقال. والعمل بها سيرفع مستوى التوظيف والأجور في المملكة، ما يزيد من نسبة مساهمة الأجور في الناتج المحلي. وهي زيادة مطلوبة، كما أنه يلغي الحاجة إلى التوطين بالإجبار إلا في حالات خاصة. ستصحب التطبيق طبعا آثار جانبية غير مرغوبة وتكاليف على المدى المتوسط. وإذا رغب في التطبيق، فالمطلوب وقبل التطبيق بحث تلك الآثار والتكاليف بتمعن وعمق، بهدف تقليل الأضرار قدر الإمكان. وبالله التوفيق.
إنشرها