FINANCIAL TIMES

مع طمس أيقونة «فيليبس».. صناديق أمريكا تتحوط في أوروبا

مع طمس أيقونة «فيليبس».. صناديق أمريكا تتحوط في أوروبا

مضى زمن كان يمكن فيه للشخص أن يعول على أي منتج لشركة فيليبس الهولندية العملاقة، في أي ساعة من ساعات النهار، فالحديث عن الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية دون ذكرها، حتى قبل سنوات، كان من النشاز بمكان.
يستيقظ الشخص من نومه على صوت منبه "فيليبس"، ويحلق وينظف أسنانه من خلال استخدام معدات الحمام التي صنعتها الشركة، ويستمع إلى الموسيقى من خلال مسجل السيارة فيليبس، ويسخن وجبة الغداء في جهاز المايكرويف الذي صنعته، ويجلس ليلا أمام جهاز تلفزيون فيليبس، قبل إطفاء المصابيح التي تصنعها شركة فيليبس. هيهات الآن، فقد بات ذلك من الماضي.
في الوقت الذي لا تزال فيه هذه العلامة التجارية موجودة، أصبحت الشركة نفسها اليوم أصغر حجما، حيث تركز على تكنولوجيا الرعاية الصحية. مع ذلك، هي أيضا أكثر ربحية، حيث سعر السهم أعلى مما كان عليه عندما بدأت عملية الإصلاح الشاملة في عام 2011.
إعادة تشكيل ما كان في الماضي أكبر شركة لتصنيع الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية في أوروبا، يبدو الآن وكأنه مقدمة لعملية تغيير أوسع نطاقا للشركات الموجودة في القارة، حيث تتعرض الكثير من التكتلات الصناعية للضغوط من أجل التقسيم وتقليص الحجم أو بيع الوحدات التي لا تعتبر أساسية.
قال لارس فوربيرج، المؤسس المشارك والشريك المنتدب لشركة سيفيان، أبرز مستثمر ناشط في أوروبا: "هذا جزء من اتجاه عام كبير – حتى تكون شركة أفضل، أنت بحاجة إلى التركيز. أعتقد أن (نموذج) التكتل أصبح ميتا بشكل أساسي بالطريقة التي نعرفه بها".
الكيانات مترامية الأطراف التي تضم شركات منتقاة، وغالبا ما تكون غير مترابطة لم تعد رائجة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
النقاش زاد كثافة على مدى العامين الماضيين في أوروبا، بعد أن انضم المستثمرون النشطاء إلى حد كبير الذين يريدون التغيير إلى صناديق التحوط الأمريكية مثل شركة إليوت، التي تعرف بحملاتها القوية للتأثير على استراتيجية مجالس الإدارة.
من بين الموجودين في مرمى النيران هنالك المجموعة الهندسية السويسرية إيه بي بي، التي تصنع معدات نقل الكهرباء إلى روبوتات المصانع، وشركة تصنيع الحلويات السويسرية نستله، وشركة تصنيع منتجات الصلب والغواصات في ألمانيا، أي "ثايسن كروب".
في الوقت نفسه، واجهت شركتا صناعة السيارات ديملر وفولكس فاجن مطالبات بفصل الوحدات الخاصة بالشاحنات، في حين تواصل شركة فيات كرايزلر تسريع فصل قسم المكونات إلى شركة مدرجة مستقلة.
عندما يتعلق الأمر بشركات تصنيع المعدات والآلات الصناعية، يقول المحللون إن المنطق بسيط.
كتب محللو بنك جولدمان ساكس أخيرا: "أداء أسهم تكتلات السلع الرأسمالية الأوروبية كان يتراجع باستمرار حيث أصبح في مستوى أقل من أداء الشركات الوحيدة (الشركات المتخصصة في مجال واحد) على مدى السنوات الخمس الماضية، بـ8 نقاط مئوية سنويا في المتوسط".
يقول منتقدو التكتلات إنه سينتهي بها الأمر أن تصبح تكتلات غير عملية وبيروقراطية، مع مهام مركزية بعيدة تكون بطيئة في التكيف أو في اتخاذ القرارات، في الوقت الذي تعاني فيه الأسهم عادة "خصم التكتلات".
قال إنجو سبيتش من شركة يونيون إنفستمنت لإدارة الأصول في مقرها في فرانكفورت: "في ظل البيئة الحالية، يفضل المستثمرون الشركات الوحيدة بدلا من التكتلات".
"دائما ما تكون الحجة هي نفسها – أن مجموع الأجزاء أكثر من قيمة الكيان الحالي في سوق الأسهم، لذلك من المنطقي ممارسة إدارة نشطة للمحافظ الاستثمارية. وفي الماضي، كانت تلك التكتلات (الصناعية الأوروبية) سلبية للغاية".
بما أن ظاهرة المستثمرين الناشطين هي قوة أقل وتأثيرا في أوروبا مما هي في الولايات المتحدة، أصبح قطاع الشركات الصناعية في أوروبا أرضية خصبة للمستثمرين الأمريكيين، ومن لهم أصول في عملات أجنبية رخيصة الثمن نسبيا في الوقت الحاضر، بسبب قوة الدولار.
وفقا لبيانات من "لازار"، بلغ مجموع الأموال التي دفعت من قبل الناشطين في أوروبا العام الماضي 22 مليار دولار، أكثر من ضعف متوسط المبلغ السنوي الذي تم إنفاقه في القارة من 2013 إلى 2016 والذي بلغ عشرة مليارات دولار. كان الرقم 9.4 مليار دولار في النصف الأول من 2018.
قال مارك ميلانو، رئيس الشركات الصناعية المتنوعة في البنك الاستثماري نومورا: "تلعب فاعلية المساهمين دورا أكبر في تشكيل هذا النقاش المتعلق بتقليص التكتلات وتصبح بشكل متزايد عاملا رئيسا في عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية".
تتمثل التكتيكات المعروفة للناشطين في شراء حصة أقلية في شركة ما، ومن ثم المطالبة بإجراء إعادة هيكلة، وتغييرات في الاستراتيجية، أو تعيين إدارة جديدة. وهذا يمكن أن يتضمن تشذيب محفظة الشركة الاستثمارية من الشركات والأقسام، أو حتى فصل أقسام كاملة، سواء من خلال عملية بيع أو إدراج في سوق الأسهم أو مشروع مشترك، تحت شعار تحسين عائدات المساهمين.
إضافة إلى ذلك، أظهر المستثمرون المؤسسيون المتحفظون تقليديا في أوروبا، مثل شركات إدارة الأصول وصناديق المعاشات التقاعدية، استعدادا أكبر للتحدث علنا ضد الإدارات ودعم الناشطين. تجلى ذلك واضحا عندما واجهت شركة صناعة الدهانات الهولندية آكزو نوبل تمردا بين كبار المساهمين بعد أن رفضت محاولة استحواذ بقيمة 27 مليار يورو العام الماضي. وانتهى بها الحال ببيع قسم المواد الكيميائية المتخصصة لديها–وهو أمر قالت عنه "إليوت" إنها كانت بالأصل تضغط من أجل تنفيذه خلف الكواليس.في مثال آخر، تم إفساد عملية تشكيل مقترحة بقيمة 20 مليار دولار لتكتل لصناعة المواد الكيميائية المتخصصة من قبل المجموعة السويسرية كلاريانت والشركة الأمريكية المنافسة هانتسمان العام الماضي، على يد مجموعة من المساهمين النشطين في الولايات المتحدة شملت صندوق التحوط كورفيكس التابع لكيث مايستر.غير أن شركات أخرى قاومت الدعوة المغرية للتفكك أو إعادة الهيكلة الجذرية – أبرزها شركة ثايسن كروب، التي تصنع كل شيء بدءا من قطع السيارات وصولا إلى المصاعد.
على الرغم من دمج عملياتها التشغيلية في صناعة الصلب لتصبح مشروعا مشتركا بنسبة 50 في المائة مع تاتا لصناعة الصلب في أوروبا في حزيران (يونيو) الماضي، استقال كل من رئيسها التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة فيها بعد ذلك بفترة قصيرة. وجاءت هذه الاستقالة عقب انتقادات موجهة من إليوت وسيفيان لتحقيق نتائج ضعيفة في عائدات المساهمين والفشل في تحسين هوامش الربح في الأعمال الأساسية للمجموعة.
قال جويدو كيركوف، الرئيس التنفيذي المؤقت، لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "حين أنظر إلى شركات مختلفة في الماضي، لا أرى أي دليل واضح على أنه لا يمكن دمج شركتين أو ثلاث تحت سقف واحد".
"لنلق نظرة على سوق المصاعد – إن كان (من الصحيح) أن الشركات ذات التركيز في مجال واحد فقط هي الأفضل أداء، حينها ينبغي أن تكون شيندلر وكون هما الأفضل، وليس شركة أوتيس التي هي جزء من تكتل كبير، تحظى بأداء أفضل – على الأقل حتى الآن".
كما تعرضت أيضا طريقة عمل الناشطين للانتقادات. المعارضون يتهمونهم بأن نظرتهم تتطلع إلى الأمد القصير، قائلين إن بعض المستثمرين يهتمون بتعزيز سعر السهم في الشركة من خلال إثارة احتمال تفكيكها، ومن ثم جني المكاسب.
مع ذلك، هذه النظرة لا تبين طيف المناهج المتبعة. على سبيل المثال، عادة ما تستثمر شركة سيفيان لمدة خمس أو ست سنوات، مع اتباع نهج يطلق عليه اسم "النهج البناء" الذي يعتبر أقل عدوانية.
وعلى النقيض من شركة سيفيان، قامت الشركة السويدية الناشطة إيه بي، بدعم القرار الذي اتخذته شركة إيه بي بي والمتمثل في عدم الانفصال.
على الرغم من نفوذهم المتصاعد، يقول بعض المحللين إنه ينبغي عدم المبالغة في الإنجازات التي حققها الناشطون في إحداث تغيير في الصناعة الأوروبية.
كتب بنك باركليز في تقرير في الفترة الأخيرة: "السمة المشتركة اللافتة للنظر إلى حد كبير هي الأداء المتدني منذ وصول الناشطين. ينظر الناشطون إلى التكتلات على أنها قطوف دانية، لكن في أوروبا تبين أن من الصعب تفكيكها، وكانت عمليات التحويل تستغرق وقتا أطول، وكانت أكثر تعقيدا مما كان متوقعا في البداية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES