Author

لا يقبل أحدا

|

من أكثر الأشخاص الذين أتحاشاهم في حياتي هم الأشخاص الذين لا يروق لهم أحد.
كنت أعتقد أن هناك انتقائيين لا يعجبهم إلا القليل حتى اكتشفت فئة لا يعجبها أحد أبدا.
هؤلاء يطلق عليهم باللغة الإنجليزية misanthrope أي عدو الإنسان، حينما يتحول الآدمي إلى عدو للبشر. لا يقبلهم ولا يتقبلهم.
تعرفت قبل سنوات على شخص يعاني هذه الحالة العدائية المرضية. لفتتني في البداية روحه النقدية تجاه الأشخاص. كان يبرع في انتقاد الزملاء وغير الزملاء. يقوم بجهد سخي في التقاط سلبياتهم وإبرازها بطريقة جذابة. نال إثر انتقاداته قبولا في محيطه. لكن بعد أن اقتربت منه أكثر وجدته شخصا لا يقبل أحدا. طوال عام من اللقاءات المتواصلة لم أسمع منه كلمة طيبة في حق أحد. الجميع سيئون وهو الوحيد الجيد. نفرت منه بعد أن غمرني بسوداويته التي كادت أن تنتقل إلي. ولم أكن الوحيد. لقد غادره عديد من الزملاء بعد أن لوثهم بأسلوبه، وأثر في أدائهم وعلاقاتهم.
بعد تجربتي القاسية معه رأيت أن أتخذ موقفا صارما مع أعداء البشر. الذين لا يقبلون أحدا. لا أمنحهم الفرصة لكي يجعلوني لا أرى الجمال الذي ينتشر في هذا العالم.
لا شك أن الحياة ليست وردية وتكتظ بالمنغصات، بيد أنها أيضا تعج بالخير والمبدعين الذين يستحقون محبتنا ودعمنا وتشجيعنا. تكسير عظام الآخرين والتقليل من أدوارهم وأهميتهم ليس هو الحل الناجع لمواجهة تحدياتنا.
مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى أولئك الذين يبنون. 
احذر يا صديقي أن تقع في فخ جلد ذات الآخرين ويغيب عنك تحسين مستواك ورفع كفاءة مهاراتك. من يشغل نفسه بغيره لن يجد وقتا لينشغل بتعزيز قدراته وإمكاناته. 
قد يبدأ الموضوع بالتعدي على شخصين وثلاثة ثم يتطور إلى إقصاء الجميع. من لا يرى غيره غير جدير بانتباهنا واهتمامنا. غير جدير بقربنا.
"عدو الإنسان" أثره ليس على نفسه بل كل من حوله. 
مع الأسف لا يضع لافتة على صدره يكتب فيها أنه عدائي فننصرف عنه. إنه يشبهنا وربما يستعمل عبارات وأطروحات أكثر إدهاشا من التي نتداولها. ينبغي أن نحترس منهم.
يجب أن نبحث عمن يجعلنا نحب ولا نبغض. نتقبل ولا نقمع.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها