Author

الشركات ذات الثقوب السوداء

|

من الطبيعي أن نجد في السوق شركات تربح وشركات تخسر، تتعدد الأسباب لذلك، إما بسبب المنافسة، أو تغير موازين الطلب والعرض، أو ظهور تقنيات جديدة تنهي القديمة، أو بسبب التشريعات والتنظيمات، أو - وهذا الأسوأ - بسبب سوء إدارة بحت، وهنا أقصد أنه لا الطلب ضعف ولا تقنية ظهرت وألغت السابقة، لكن سوء إدارة مع احتدام منافسة، بل إن هنالك ما هو أسوأ من هذا، وجود شركات لا تعلم ماذا تعمل، ولا في ماذا تستثمر! فقط مصروفات تشغيلية إدارية، ولا وجود لدخل واضح يغطي التكاليف. يوجد اليوم في سوق الأسهم ما يقارب 16 شركة لديها خسائر من رأس المال تتجاوز 20 في المائة، أو كما صنفتها «تداول» بالأعلام الملونة، فهنالك ثماني شركات لديها أعلام صفراء وهذا يعني أنها حققت خسائر تتجاوز 20 في المائة حتى 35 في المائة، بينما هنالك ست شركات لديها أعلام برتقالية، وهذا يعني أنها حققت خسائر تجاوزت 35 في المائة حتى 50 في المائة، وأخيرا هنالك شركتان لديهما أعلام حمراء، هما اللتان حققتا خسائر تجاوزت 50 في المائة!
عملت الهيئة على تشديد الإجراءات على هذه النوعية من الشركات الخاسرة، بحيث تبدأ مع الشركات التي دخلت في الخسائر من 20 في المائة وأكثر حتى 35 في المائة، بأن تفصح فورا عن هذه التطورات وكذلك عن الأسباب وتفصح مباشرة عن انخفاض خسائرها فيما بعد "إذا استطاعت ذلك"، أما بالنسبة إلى التي تجاوزت خسائرها أكثر من ذلك فيجب - إضافة إلى ما سبق - أن توضح ما الخطط التي سيتم اتخاذها لمعالجة الخسائر، هذا يعني أنه اليوم لدينا ثماني شركات يجب عليها الإفصاح عن خططها لمعالجة خسائرها، ويتحتم على المساهمين مراقبة تنفيذ ونجاح أو فشل هذه الخطط.
من المقلق أن تاريخ بعض هذه الشركات لا يبشر بمستقبل جيد أبدا، فنسبة كبيرة من هذه الشركات لها تاريخ سابق من الخسائر واستدراك نفسها عبر إما عمليات رفع رأس المال أو تخفيضه أو كليهما، بل إن بعضها كررها أكثر من مرة، وفي كل مرة تخسر الشركة جميع الأموال التي دفعت، وهذه العملية من ابتلاع الأموال وتكرار الخسائر أشبه ما تكون بما يحدث مع الثقوب السوداء، التي تمتص كل ما حولها وتبتلعه إلى المجهول، فالداخل مفقود والخارج مولود "إذا كان هنالك خارج أصلا"، أو أن هذه الشركات أصبحت كالمحرقة للأموال، تحرق كل ما يقدم إليها فورا، أو كمن يأخذ مسكنات للألم دون علاج المرض.
يجب على المساهمين الانتباه أشد الانتباه إلى هذه الشركات، وعليهم قراءة خطط الإدارة للنجاة بالشركة وانتشالها من الخسائر، كما تم فرضها عليهم من قبل هيئة السوق المالية، هل هي واضحة ومقنعة أم لا؟ هل هي منطقية وقابلة للتطبيق أم لا؟
بعد اطلاعي على خطط بعض هذه الشركات فوجئت من وضعها خططا عامة وعادية جدا وغير واضحة وبدون أي أرقام مستهدفة، بل الأسوأ أنهم ذكروا أنهم بدأوا تطبيقها منذ سنة، وعند رجوعي إلى نتائجها وجدتها ساءت أكثر وأكثر، وهذا يضع أكثر من علامة استفهام حول مصير الشركة وقدرة مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على تصحيح أوضاع الشركة حتى بعد تطبيقهم - كما تدعي الشركة - خطة تصحيح أوضاع الشركة.
لا يمكن لوم هيئة سوق المال أو أي جهة أخرى تنظيمية أو إشرافية على ما قد تؤول إليه أمور هذه الشركات، فقد تم عمل كل شيء من قبلهم لتوعية المساهمين وإجبار الشركات على زيادة الإفصاح ومشاركة خططها مع المساهمين، بل اللوم كله يقع على مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، والأهم من ذلك، على المساهمين الذين لم يتحركوا بشكل فعال لتغيير مجلس الإدارة ومحاسبتهم عندما بدأت المشكلات في الظهور، واتضح قصور الإدارة عن معالجة مشكلات الشركة، فكان الجميع مشتركا في المشكلة، وهنالك تقاعس واضح من المساهمين للقيام بدورهم المفترض لحماية مصالحهم من سوء الإدارة.
ختاما، لن أذكر شركة بعينها، لكن تكفي مراجعة الشركات الخاسرة ومراجعة تاريخها ووعود الإدارة لتحسين النتائج مع كل إعلان خسائر، وماذا تحقق بعد هذه الوعود؟ ستفاجأ بكمية الإحباطات والفشل من عدم تحقيق أي تقدم أو تحسن، وعدم وجود خطط جيدة طبعا، مع الإحباط بوجود نفس المجلس الذي يقود الشركة منذ سنوات ومعه تدهورت النتائج، فكيف تثق بهذه النوعية من الإدارات لتصحيح عملهم سابقا؟ وهنا أكرر تحذيري لجميع المتداولين من هذه الشركات ذات الثقوب السوداء.

إنشرها