Author

تقييم مؤشرات الاقتصاد السعودي دوليا

|

يأتي التقرير الختامي لصندوق النقد الدولي بعد اختتام المجلس التنفيذي لمشاورات المادة الرابعة لعام 2018، ليرسم صورة واضحة عن السياسات الاقتصادية للمملكة، التي ترتكز على عدة محاور، أولها وأهمها تعزيز النمو في الإيرادات غير النفطية للمالية العامة، والثاني هو ضبط الإنفاق التشغيلي، مع تحسن في التراكم الرأسمالي بدعم وتنمية مشاريع البنى التحتية، والثالث يأتي من خلال ضبط سعر الصرف، والاستمرار على نهج الارتباط مع الدولار، ويأتي العمل على إصلاح السوق النفطية رابعا، وخامسا الشراكة مع القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتأتي الشفافية في المالية العامة سادسا. وهذه المحاور لقيت إشادة واضحة جدا في تقرير الصندوق الدولي؛ نظرا لما حققته حتى الآن من مكاسب للاقتصاد السعودي، وما ستحققه في المستقبل، بإذن الله.
ففي جانب تعزيز الإيرادات غير النفطية، يرى الصندوق أنها جاءت وفقا لسياسات إصلاحية، عززت الاستدامة في المالية العامة، وأنه من المتوقع ارتفاع النمو في الإيرادات غير النفطية كلما تحسنت قدراتنا على تنفيذ هذه الإصلاحات، وهنا إشارة لما قدمته ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، إضافة إلى إصلاح أسعار الطاقة، ونظرا لأن هذه التجربة الضريبية انطلقت مع بداية هذا العام 2018، لذا فإن آفاق التحسن في التنفيذ تبدو واعدة جدا، ما يعزز النمو في الإيرادات غير النفطية؛ حيث توقع صندوق النقد أن يرتفع النمو غير النفطي في الناتج المحلي إلى 2.3 في المائة، وهو ما قد يؤثر بشكل هائل في مستويات العجز في الميزانية العامة، حيث بدأت ملامح تراجع العجز بشكل كبير عما كان مقدرا له في بداية العام، وذلك حسب آخر تقرير ربعي لوزارة المالية ووفقا لتقرير صندوق النقد، فمن المرجح تراجع عجز المالية العامة من 9.3 في 2017 إلى 4.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2018، ثم يواصل التراجع إلى 1.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2019.
وفي جانبي ضبط الإنفاق التشغيلي وتعزيز التراكم الرأسمالي، يؤكد الصندوق أهمية هذا النوع من الإصلاحات، وهو هدف مهم جدا لضبط المالية العامة والحد من الهدر والفساد، وهو الذي يعرض التنمية لخطر كبير، كما أنه يتسبب في سوء توزيع الموارد، لهذا فإن ضبط المالية العامة من خلال ضبط الإنفاق التشغيلي يحقق هدف التوازن المالي لعام 2023، وهو الهدف الذي يرى صندق النقد الدولي أنه ملائم، ويمكن تحقيقه كلما مضت الإصلاحات في مسارها الحالي. وهنا يجب أن نشير إلى أن المشكلة التي تواجه الدول الناشئة مع وصايا صندوق النقد الدولي هي الفشل في ضبط هذا الجانب بالذات، فكثير من الدول تسعى إلى تعزيز نمو وهمي بضخ الأموال وتعزيز نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لكن هذا النمو قصير الأجل، ما يلبث أن ينكشف تحت وطأة العجز الضخم وتراكم الدين العام، نمو مضطرب في أسعار الفائدة، لهذا يشيد الصندوق بالانضباط الذي تتحلى به المالية العامة في المملكة، حيث ورد في التقرير الختامي "توقع أن يزداد تحسن النمو على المدى المتوسط نتيجة لتطبيق الإصلاحات، مشيرا إلى أنه لا يزال زخم الإصلاح قويا في ظل "رؤية 2030".
في مجال ضبط السيولة في الاقتصاد، يشيد صندوق النقد بجهود مؤسسة النقد العربي السعودي في هذا المجال، ويرى أن ربط سعر الصرف بالدولار يفيد المملكة بشكل جيد؛ نظرا لهيكل اقتصادها، فالتغيرات في أسعار الفائدة يجب أن تتم بالتزامن مع حركة وتدفق الدولار في العالم، ما يوفر سيولة مناسبة للاقتصاد دون تعريض سعر العملة السعودية إلى مخاطر المضاربات، وهو ما يؤثر في حجم الاحتياطيات، ويفقد الاقتصاد كثيرا من العزم الضروري توفيره في أوقات معنية، وهذه السياسة نتج عنها - كما يشير تقرير الصندوق - ترجيح أن ترتفع ربحية المصارف مع اتساع هوامش الفائدة، مؤكدة أن المصارف محتفظة بمستويات جيدة من رأس المال والسيولة. وعلى الرغم من أن تقرير صندوق النقد الدولي لم يشر مباشرة إلى الإنجازات التي قامت بها المملكة لإصلاح أسواق النفط العالمية، لكن هناك الإشارات الواضحة إلى ما تتمتع به المالية العامة من استقرار في هذه المرحلة، وهو على العكس تماما من التقارير التي وردت من الصندوق في فترة انهيار الأسعار، التي كانت توحي بقلق خبراء الصندوق من الأوضاع العالمية، لكن الآن يأتي التقرير خاليا من أي قلق حتى عام 2023، بل يؤكد التقرير أن العجز سينخفض بمقدار كبير في السنوات المقبلة، وهو ما يدل على مدى الثقة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي والتوازن الذي حصل فيه، وفي هذا الشأن بالذات يشير التقرير إلى تحقيق رصيد الحساب الجاري فائضا يبلغ 9.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2018 مع ارتفاع الإيرادات، متوقعا ارتفاع الأصول الأجنبية الصافية لدى مؤسسة النقد العربي هذا العام وعلى المدى المتوسط.
ويأتي ترحيب خبراء النقد الدولي بالتغيرات في إطار التقرير عن المالية العامة، وإضفاء مزيد من الشفافية عليها، ما يدعم القدرات في تحليل المالية العامة الكلية، ليؤكد هذه السياسة الاقتصادية الجديدة مع هذا العهد الجديد للمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين. وفي إطار محاربة البطالة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، فإن سياسة توفير مزيد من التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين قدرته على الوصول إلى القطاع المالي، تحتاج إلى مزيد من التطوير وفقا لتقرير الصندوق.

إنشرها