Author

إلى الآباء فقط: أهلا بالإجازة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تشير التقارير إلى أن السعوديين ينفقون على السياحة الخارجية أموالا تعادل نحو 12 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي، فيما بلغ متوسط الإنفاق آخر عشر سنوات نحو 7 في المائة من الإنفاق الحكومي. وإذا كانت الميزانية العامة للدولة بلغت قريبا من تريليون ريال، فإن 12 في المائة تعادل ما قيمته 120 مليارا، وهذا يشير إلى أن الأسر تنفق فوق دخلها لمقابلة هذه المصروفات، وهو ما يعني الحصول على قروض بفوائد ستستهلك النمو في دخل الأسرة، ويمكن فهم تأثير هذا السلوك في الاقتصاد الكلي للمملكة، وهدر الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية. نص : منذ بدأت أخطط لكتابة هذا المقال، وأنا أحاول تجنب الحديث عن الاقتصاد، الذي قد لا يتناسب مع أجواء عيد الأضحي المبارك - وكل عام وأنتم بخير - لهذا قررت أن يكون مقال هذا الأسبوع بسيطا واجتماعي الطابع، ولن يخلو طبعا من بعض المفاهيم في اقتصاديات الأسرة. وهنا أقول، إن عنوان المقال ليس فيه خطأ، فأهلا بالإجازة لكل الآباء، إجازة من معاناة الصيف وتوقف المدرسة، وإجازة من ارتباطات اجتماعية وعادات ترسبت ونمت وترعرعت من أيام الطفرة الأولى؛ لترمي اليوم بثقليها الاقتصادي والاجتماعي على الأب ومالية الأسر، وتحتاج منا إلى إعادة نظر، فالإجازة المدرسية لهذا العام صادفت بداية رمضان المبارك، ثم عيد الفطر، ثم مناسبات اجتماعية لا حصر لها في شوال وذي القعدة، مع متطلبات الأسر في السفر والتنقل وسهر الشباب حتى ساعات الفجر وبعدها، وقلق الآباء من تهور الأبناء في الطرق وحوادث السيارات، ومن برامج الألعاب الإلكترونية القاتلة في يد البنات داخل المنازل. فالعودة إلى المدرسة ومتطلباتها، من النهوض باكرا والنوم مبكرا، وانشغال الأبناء بالواجبات المدرسية - تعيد الجميع بسلام إلى المنزل، وتعيد المصروفات اليومية إلى طبيعتها، وتعيد القرار إلى يد الأب، فكأنما بدأت إجازة الآباء من قلق الصيف ومصروفاته. بدأت الإجازة الصيفية مع ارتفاع درجات الحرارة، وهدير المكيفات، وفاتورة الكهرباء، التي ترتفع من شهر إلى آخر كلما مضت أيام الصيف برتابة. بدأت الإجازة الصيفية مع انطلاقة متطلبات رمضان، ومع الأسف خرجت الأسر عن المعتاد في الصرف، بمبالغات لا حدود لها، ومباهاة في صور الجوال و"سناب" لكل ما تقوم به الأسرة في رمضان، من فطور وسحور ومطاعم، وما يرفع فاتورة إنفاق الشهر أكثر، ثم لتبدأ مصروفات العيد ومقتضياته، وفاتورة عريضة قد تتطلب قرضا حسنا، أو تمويلا بفائدة من هنا وهناك. قروض استهلاكية تجعل قدرة الأب على تنمية رأسمال الأسرة بالادخار لتعظيم الاستثمار أمرا مستحيلا. فالفوائد على القروض الاستهلاكية تأكل المدخرات كما تأكل النار الحطب في ليالي الشواء على شواطئ وبحيرات أوروبا، بينما يعاني الآباء إيجاد دخل للأسرة يقابل حجم المصروفات، التي تتزايد من عام إلى عام. وتشير التقارير إلى أن السعوديين ينفقون على السياحة الخارجية أموالا تعادل نحو 12 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي، فيما بلغ متوسط الإنفاق آخر عشر سنوات نحو 7 في المائة من الإنفاق الحكومي. وإذا كانت الميزانية العامة للدولة بلغت قريبا من تريليون ريال، فإن 12 في المائة تعادل ما قيمته 120 مليارا، وهذا يشير إلى أن الأسر تنفق فوق دخلها لمقابلة هذه المصروفات، وهو ما يعني الحصول على قروض بفوائد ستستهلك النمو في دخل الأسرة، ويمكن فهم تأثير هذا السلوك في الاقتصاد الكلي للمملكة، وهدر الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية. وما إن يستريح الأب من عناء السفر، حتى تبدأ موجة من العادات الاجتماعية في الأفراح والمناسبات، التي تلقي بكاهلها على الأسرة. وهنا نطالع إسرافا لو رآه الآباء والأجداد، لأقاموا علينا مأتما وعويلا: حفلات تخرُّج في الروضة، وفي الجامعة كلها بالبذخ نفسه، حفلات عيد الميلاد والزواج والطلاق، بل حتى العزاء أصبح كالحفلات من طعام وشراب وتجمعات، كلها باسم العادات، والله يعلم أن أجدادنا منها براء، وهكذا يمضي الآباء في الصيف من عناء إلى عناء، بينما تتوسع الأسر في الإنفاق غير المدروس، وتظهر عادات غير ذات صلة بنا، ولا يستطيع دخل الأب والأسرة مقابلتها إلا على حساب قضايا اقتصادية أكثر إلحاحا، مثل مصروفات النقل والصيانة والطاقة والغذاء والصحة، مصروفات تمثل استدامة الأسرة والمجتمع. وينتهي الصيف هذا العام بمصروفات عيد الأضحي المبارك أعاده الله علينا بالأمن والأمان والمسرات، وأن يعيده على الآباء بانخفاض المصروفات الأسرية غير الاعتيادية. ومع كل عيد أضحى نعود لنتساءل عن الحكمة من الأضاحي، وقد تغيرت عادات الناس وتبدلت أحوالهم، يجب فعلا أن نطور من سلوك المجتمع في هذا الشأن، وعلى الرغم من أن هذه الشعيرة العظيمة تأتي كل عام، فإن المجتمع يفاجأ بها أيضا، حتى الآن لم تظهر مؤسسات متخصصة في هذه المناسبة، ولم نطور استثمارات في هذا المجال، حتى المسالخ لم تزل تدار بطريقة قديمة في زمن وصلت التقنية حتى النانو، ويبقى الجزار يصرخ بالرقم في مسلخ يفتقر إلى أبسط المظاهر الحضارية، بل حتى النظافة البسيطة. كل عام وأنتم بخير، وإجازة سعيدة للآباء من هَمِّ الصيف والسفر، وهَمِّ العادات ونفقات الأسر. نعم أقولها، لمن لا يتفق معي أن الأب سيبقى مهموما بالدراسة، خاصة أن التعليم قد أزال شعار التربية من عنوانه، وبينما أصبح لدينا تعليم بلا تربية، بقي التعليم يترنح وحيدا، والجامعات لا تعيره اهتماما بأكثر من 30 في المائة، بل أقل، فإننا سنظل نقرأ نتائج التربية كل صيف.
إنشرها