FINANCIAL TIMES

السوق الصاعدة الأمريكية تستمر في اجتياز المخاطر بسلام

السوق الصاعدة الأمريكية تستمر في اجتياز المخاطر بسلام

أصبحت "أبل" أخيرا أول شركة أمريكية تصل قيمتها إلى تريليون دولار، لكن هناك علامة فارقة أخرى لا يحتفى بها كثيرا: في 22 آب (أغسطس) سجلت سوق الأسهم الأمريكية رسميا أطول فترة ارتفاع في أسعار الأسهم.
كان هذا مسارا مملوءا بالكدمات والعراقيل لكنه مجز. سجلت الأسهم الأمريكية عوائد أعلى من 400 في المائة على مدى السنوات التسع التالية للمستوى المتدني للأزمة المالية في آذار (مارس) 2009. هذا يؤكد كيف أن عدم الاكتراث بعمليات البيع الكثيف المؤقتة أثبت مرارا وتكرارا أنه استراتيجية رابحة.
قد تكون المرونة الأخيرة للأسهم الأمريكية بمثابة مفاجأة. على عكس التوقعات، هناك عدد لا يحصى من الأسباب التي تدعو للقلق: مخاوف من حرب تجارية، وارتفاع في اسعار الفائدة الأمريكية، وعدم يقين سياسي حول الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر)، وتجدد التقلبات في السوق الصينية، وتباطؤ اقتصادي في أوروبا، وتساؤلات حول آفاق النمو في شركات التكنولوجيا العملاقة التي ساعدت في قوة ارتفاع الأسهم الأمريكية.
قال ألان شوارتز، رئيس شركة غوغنهايم بارتنرز، في مقابلة تلفزيونية هذا الشهر: "نحن في الجولة الثامنة أو التاسعة من السوق الصاعدة. هذه الأدوار يمكن أن تكون قوية (...) لكن هناك كثير من الغيوم العاصفة في الأفق". وفي الأسبوع الماضي، أعطى دان إفاسكين، كبير الإداريين الاستثماريين في شركة بيمكو، أيضا نغمة كئيبة، محذرا من أن سياسة التسهيل النقدي من البنوك المركزية تستبدل بها تدريجيا الآن الشعبوية باعتبارها قوة كبيرة محركة للسوق.
كتب إيفاسكين في مذكرة إلى العملاء: "بالنسبة للمستثمرين في الأسهم والمستثمرين من ذوي الدخل الثابت، نعتقد أن هذا يعني عوائد أقل، ولسوء الحظ، تقلبات أعلى. هذا المزيج يوجد بيئة استثمارية أكثر تحديا بكثير".
مع ذلك، سوق الأسهم الأمريكية أظهرت انتعاشا عجيبا آخر. استرد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 خسائره تقريبا كل هذا الربيع ويقترب مرة أخرى من مستوى قياسي مرتفع. هناك ثلاثة عوامل رئيسية مترابطة ساعدت على تهدئة المخاوف ودفعت الأسهم الأمريكية إلى الارتفاع مرة أخرى: النمو الاقتصادي القوي، وأرباح الشركات المبهرة، وموجة إعادة شراء الأسهم.
توسع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 4.1 في المائة في الربع الثاني، وهو أسرع معدل نمو منذ عام 2014، وأدت التخفيضات الضريبية الضخمة إلى زيادة أرباح الشركات. تقريبا أربعة أخماس الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تغلبت على توقعات الأرباح في الربع الثاني – وهي أعلى نسبة منذ أن بدأت شركة فاكت ست رصد الأرقام في عام 2008.
يقول وين ويكر، كبير الإداريين الاستثماريين في ICMA-RC، وهي شركة لإدارة خطط المعاشات التقاعدية: "التاريخ يشير إلى أننا يجب أن نرى بعض الرياح المعاكسة. لكن التاريخ ليس معتادا على هذا النوع من الأرباح الذي نشهده الآن. على الرغم مما يحدث على الجبهة السياسية، الأرباح تساعد على تحييد السلبيات".
وساعدت فورة الأرباح، مقترنة بإعادة الأرباح المحولة سابقا في الخارج لتجنب الضرائب، في تمويل عملية إعادة شراء الأسهم. ويعتقد جولدمان ساكس أن الشركات الأمريكية ستسجل رقما قياسيا في عمليات إعادة الشراء من خلال إعادة شراء ما قيمته تريليون دولار من أسهمها هذا العام. وفي ظل هدوء نسبي في خطاب الحرب التجارية وبقاء العوائد منخفضة في سوق السندات، حصل المستثمرون على الوصفة الصحيحة لاندفاع صعودي آخر. من الصعب إحداث فجوات في صورة الأرباح. ما هو أقل إحكاما هي الآفاق خلال العام المقبل. ظل المستثمرون يشعرون بالقلق لبعض الوقت بشأن شيخوخة التفاؤل في وول ستريت، والمخاوف من أن تتفاقم مع كل يوم وشهر يستمر فيه صعود السوق.
كانت العاصفة الثلجية الناشئة عن تخفيض أسعار الفائدة وبرامج التحفيز النقدي التي تبلغ عدة تريليونات من الدولارات هي العامل المهيمن وراء ارتفاع سوق الأسهم الصاخب الذي أعقب الأزمة المالية. لكن مع اقتراب الذكرى العاشرة لإفلاس ليمان براذرز، يتم تقليص هذا الحافز.
رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الأمريكية سبع مرات منذ عام 2015، وهناك توقعات بزيادتين إضافيتين في هذا العام. في الوقت نفسه، يتسارع انكماش الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي. وتشير تقديرات وكالة فيتش للتقييم الائتماني إلى أن محفظة البنك المركزي من السندات التي تم شراؤها لمحاربة الأزمة المالية ستتقلص 315 مليار دولار هذا العام و437 مليار دولار في عام 2019.
أسهمت سياسة نقدية أكثر تشددا في ظهور العلامات الأولى من ازدياد التقلب في البورصة، الذي نشأ في شباط (فبراير) من هذا العام، وارتفاع أسعار الفائدة يعني أنه حتى سندات الخزينة لأجل ثلاثة أشهر فائقة الأمان والشبيهة بالنقد، تعطي الآن عوائد أكثر من 2 في المائة – وهذا أكثر من عائد الأرباح للأسهم الأمريكية للمرة الأولى منذ عشر سنوات.
يقول مايكل هارتنت، كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في "بانك أوف أميركا ميريل لينش": "كانت سوقا صاعدة رائعة. لكن كلما طالت مدتها، تزداد الشكوك في استدامتها. اعتاد الناس على شراء الأسهم عند انخفاض الأسعار لأنه لم يكن هناك بديل آخر. الآن هناك بديل".
جيريمي سيجل، أستاذ التمويل في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب "الأسهم لأجل طويل"، يشعر أيضا بالقلق من ارتفاع أسعار الفائدة، لكنه يقول إن الحرب التجارية هي أكبر تهديد يواجه اندفاع سوق الأسهم.
ويضيف: "تقول السوق إن هذا احتمال منخفض للغاية. ومع أننا نرجو أن يكون الأمر كذلك، لا أحد يعرف على وجه اليقين. يمكن لحرب تجارية كبرى مع الصين أو أي جهة أخرى أن تقتطع بسهولة من هذه السوق ما نسبته 20 في المائة، الأمر الذي سيحولها إلى منطقة الهبوط. إذا حصلنا فعلا على حل للمشكلة التجارية، السوق يمكن أن تقفز من 5 إلى 10 في المائة".
في الوقت نفسه، كانت هناك أسئلة متجددة حول أسهم شركات التكنولوجيا – ولا سيما مجموعة شركات التكنولوجيا الساخنة الكبيرة المعروفة بـ "فانج" Faang – التي دعمت ارتفاع الأسهم الأمريكية في السنوات الأخيرة.
حقق المستثمرون في فيسبوك وأمازون وأبل ونيفليكس وألفابت، الشركة الأم لجوجل، أرباحا كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، عندما حققت هذه الشركات نموا ثابتا وهوامش أرباح دسمة. وتضاعف مؤشر بورصة نيويورك الذي يضم شركات الفانج وتسلا وتويتر وغيرها من شركات التكنولوجيا المتقدمة، مثل المجموعتين الصينيتين علي بابا وتنسنت، ثلاث مرات منذ بداية عام 2015. لكن ظهرت هنا أيضا بعض التصدعات.
جاءت بعض النقاط السوداء في موسم الأرباح الأخير في قطاع التكنولوجيا، ما يلقي بظلال من الشك على آفاق النمو. في الوقت الذي خيبت فيه إنتل ونتفليكس وتويتر آمال المستثمرين، كانت فيسبوك المحبوبة السابقة تمثل أكبر نكسة. انهارت الأسهم في الشبكة الاجتماعية عندما حذرت من تباطؤ نمو المستخدمين والإعلانات وخسرت أكثر من 120 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد فقط.
مع ذلك، وجد المستثمرون صعوبة في تجاهل مدى قوة أرباح الشركات، على الرغم من وجود بعض خيبة الأمل. ومع إبلاغ 90 في المائة من الشركات عن أرباحها، ارتفعت أرباح الشركات الأمريكية 24.6 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني. هذا هو ثاني أكبر مكسب منذ نحو ثماني سنوات بعد زيادة بلغت 24.8 في المائة في الربع الأول، وفقا لشركة فاكت ست. هوامش الأرباح الآن عند مستوى قياسي يبلغ 11.8 في المائة، كما كان نمو المبيعات الأعلى – الذي لم يتحسن بفعل التخفيضات على ضريبة الشركات – قويا. ارتفعت إيرادات الشركات المدرجة في ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 9.9 في المائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في حزيران (يونيو)، وهو أفضل أداء منذ عام 2011. وتجاوزت 72 في المائة من الشركات توقعات الإيرادات، أي أعلى من المتوسط على مدى خمس سنوات الذي بلغ 58 في المائة.
يقول كريشنا ميماني، كبير الإداريين الاستثماريين في شركة أوبنهايمر فندز: "ساعد الإصلاح الضريبي على ذلك، لكن حتى من دونه، كان هناك ما يكفي من الزخم كي تنمو الأرباح بأرقام من خانتين. إذا وجدنا طريقة ما لحل ذلك (التوتر التجاري)، أعتقد أن الأسواق ستكون أعلى بشكل ملموس".
الأهم من ذلك، أعيد قسم كبير من فورة الأرباح إلى سوق الأسهم. وارتفعت منذ الآن أذون إعادة شراء أسهم الشركات بنسبة 80 في المائة لتصل إلى 754 مليار دولار هذا العام، ما حفز توقعات جولدمان ساكس الذي تحدث عن تريليون دولار لإجمالي عمليات إعادة الشراء في عام 2018.
لكن حتى هذا الرقم قد يكون محافظا. إنيجو فريزر جنكينز، وهو محلل أول في بيرنشتاين، يقول إذا كانت أنماط الشراء ستتبع المتوسط التاريخي، فقد يصل إجمالي عمليات إعادة الشراء في الولايات المتحدة إلى 1.2 تريليون دولار في 2018. وهذا من شأنه أن يزيد الإجمالي منذ عام 2010 إلى أكثر من 5.1 تريليون دولار، وهو أكبر من كامل برنامج التسهيل الكمي التابع للاحتياطي الفيدرالي الذي تبلغ قيمته أربعة تريليونات دولار. في الواقع، كانت الشركات نفسها هي أكبر المشترين للأسهم منذ الأزمة المالية.
بالنظر إلى هذا الجدار من النقود – الذي يكمله ثلاثة تريليونات دولار أخرى من توزيعات الأرباح – ربما يكون من المدهش أكثر أن سوق الأسهم الأمريكية ليست حتى أعلى من ذلك. يقول المثل السائد القديم في وول ستريت إن الأسهم "تتسلق جدارا من القلق"، وحقيقة أن المستثمرين بعيدون عن الشعور بالنشوة في الوقت الحالي يمكن أن تشير إلى أن المسيرة الصاعدة لا تزال أمامها مسافة أطول لتقطعها.
مع ذلك، الارتفاع الباهت نسبيا في الأسهم الأمريكية منذ الربيع – على الرغم من الأساسيات القوية – يؤكد أن المستثمرين لا يزالون حذرين من آفاق المدى الطويل. علامات الأرباح القوية تظهر منذ فترة في أسعار الأسهم، والأسواق دائما في حالة حذر من نقاط الانقلاب.
المستثمرون على حق في الشعور بالقلق، كما يقول روبرت شيلر، أستاذ المالية في جامعة ييل، الحائز جائزة نوبل ومؤلف كتاب "الغزارة غير العقلانية". يجادل شيلر بأن أرباح الشركات تم تضخيمها من قبل "اقتصاد فورة الإنفاق" في إدارة ترمب وليس بسبب وجود تحسن في الأساسيات.
يقول البروفيسور شيلر: "قد يقول دونالد ترمب إنه عبقري مستقر، لكنه ليس كذلك. ولا يبدو أن الأسواق تأخذ ذلك في الاعتبار". وهو ليس مقتنعا بأن القول المأثور حول "جدار القلق" يعني أنه ليس لدى المستثمرين شيء يذكر للتوتر بشأنه. ويحذر قائلا: "هذه ليست نظرية مستقرة حول السلوك البشري، وأنا أرى بالتأكيد أن هناك خطرا بحدوث هبوط مفاجئ في السوق".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES