FINANCIAL TIMES

استثمار مصري - خليجي يعيد إلى قلب القاهرة أيامه الغابرة

استثمار مصري - خليجي يعيد إلى قلب القاهرة أيامه الغابرة

يقف كريم الشافعي تحت أشعة الشمس الساطعة في فناء داخل مبنى فيينواز، وهو قصر على الطراز الكلاسيكي الحديث في وسط القاهرة، يتذكر ما كان عليه هذا المبنى قبل أعمال التجديد الأخيرة.
قال رئيس شركة الإسماعيلية للاستثمار العقاري، وهي شركة للتطوير العقاري "كانت هذه المساحة المفتوحة مكب نفايات مليئا بالقمامة. كانت هناك طبقات من الأوساخ على الجدران. أبرزنا الحجر عن طريق تجريد الطلاء والجبص منه. والآن سيصبح الفناء منطقة ترفيهية لموظفي الشركة الذين يستأجرونه".
تحاول شركته جذب الشركات المصرية للخروج من ضواحي أكبر مدينة في إفريقيا والعودة إلى وسط المدينة، مع مبانيه التي تعود إلى فترات تاريخية قديمة التي تخدمها وسائل نقل جيدة.
"فيينواز" المتداعي الذي كان معرضًا لخطر الانهيار في الماضي، استعاد مجده السابق الآن قصرا فخما يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر مع سلالم من الرخام والحديد المطروق، وأبواب خشبية ضخمة، وأفاريز من الجبس المزخرف. وقد تم تجهيز المبنى لاستقبال أول مستأجر له: شركة كونتاكت لتمويل السيارات التي يعمل فيها 300 موظف.
بالنسبة إلى شركة الإسماعيلية، مشروع "فيينواز" الذي تبلغ مساحته 4500 متر مربع ليس فقط "مشروعها الرئيسي" وأول عملية تجديد رئيسية لها، لكنه أيضًا دليل على نجاح أنموذج أعمالها ومؤشر على أن الشركات التي كانت تتجنب مركز المدينة منذ زمن طويل بسبب مبانيه المهملة والمتهالكة، يمكن إغراؤها للعودة، إذا عرضت عليها أماكن مجددة جيدا بسعر مناسب.
قال الشافعي "تجربة الضواحي تظهر عوامل قصورها، وهي ليست إجابة تناسب الجميع". وأضاف "قرار "كونتاكت" يشير إلى أنه إذا كان هناك عرض لائق، فإن الناس مستعدون للانتقال ودفع علاوة ليكونوا في المدينة".
تأسست شركة الإسماعيلية في عام 2008 من قبل مجموعة من المستثمرين المصريين والخليجيين برأسمال 70 مليون دولار، واستحوذت على مجموعة من المباني، ودفعت أموالا لإخراج المستأجرين ببطء وأخذت تجدد المباني لتأجيرها للشركات الصغيرة والمتوسطة. وتمتلك الشركة 23 عقارا في وسط المدينة بما في ذلك دار سينما مهجورة من طراز "آرت ديكو" كانت سابقا مقرا للقنصلية الفرنسية، اشترتها الشركة عام 2013 مقابل مليوني يورو.
قال الشافعي "إن الخطة الآن هي الاستحواذ على خمسة إلى ثمانية مبانٍ أخرى وتطوير تسعة مشاريع على مدى ثلاث سنوات. وتشتمل هذه المشاريع على مساحات للعمل المشترك تركز على تكنولوجيا المعلومات والصناعات الإبداعية، إضافة إلى مشاريع للتجزئة والمكاتب". وقال الشافعي "إنهم مهتمون أكثر بالتأجير للشركات الأصغر مثل شركات المهندسين المعماريين وشركات التسويق ووسائل الإعلام الاجتماعية والمصممين".
من خلال التركيز على وسط المدينة بمبانيها الأنيقة المشيدة على الطراز الأوروبي، لكن المتهالكة، فإن شركة الإسماعيلية تتسابق مع اتجاه القاهرة المستمر منذ عقدين. إذ ازدهرت شركات التطوير العقاري المصرية لسنوات من خلال بناء مجمعات موجهة إلى أهل القاهرة الموسرين على مشارف المناطق الصحراوية في أطراف المدينة. وظهر عدد من الضواحي الجديدة الضخمة التي تشتمل على مراكز تسوق ومدارس عالمية ومبان للمكاتب، ما أغرى أقساما كبيرة من الطبقة الوسطى بالخروج من وسط المدينة المزدحم.
لكن الشافعي يعتقد أنه لا تزال هناك فرصة كبيرة في وسط المدينة مع وصلات النقل الجيدة والتراث المعماري الغني الذي يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين. وقال "أعتقد أننا سنجني أموالاً أكثر من أنموذج العقارات التقليدي هنا مع مزيد من الاستدامة ومخاطر أقل. بدأنا الآن في تحقيق الأرباح، في حين إننا كنا من قبل نغطي التكاليف فقط. في كل مشروع، يمكننا أن نحقق عائدًا بنسبة 20 في المائة ونعتمد كثيرًا على ارتفاع قيمة رأس المال". ولأن الإيجارات التي تتقاضاها الشركة تراوح بين 12 و20 دولارًا للمتر المربع، فهي تقع بحسب الشافعي بين معدلات أسعار المجمعات الإدارية الراقية التي لا تزال نادرة، والشقق الرخيصة في المباني السكنية ـ التي تعتمد عليها معظم الشركات الصغيرة.
ودخل وسط القاهرة مرحلة التراجع خلال الستينيات الاشتراكية، عندما أدت قوانين تحديد الإيجارات إلى تقليص دخل أصحاب الأملاك الذين توقفوا بعد ذلك عن صيانة المباني. ومع خروج النخبة الاجتماعية والاقتصادية من مركز المدينة، أخذت ورش العمل والشركات الصغيرة مكانها، ما تسبب في كثير من الأحيان في ضرر من خلال تغيير السمات والواجهات الأصلية مع لافتات ذات ألوان صارخة وغير ذلك من التغييرات. وفي عام 2011، الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك جعلت المنطقة تتحول إلى ساحة معركة بين الشرطة والمتظاهرين، وجذبت مجموعات كبيرة من الباعة الجائلين، ما وجه ضربة لآمال الشركة في تسويق المنطقة.
على الرغم من أن شركة الإسماعيلية تلقت "ضربة كبيرة" واضطرت إلى إيقاف عمليات الاستحواذ خلال سنوات الاضطراب، قال الشافعي "إن الثورة حققت ما كان يمكن أن نقضي سنوات عديدة في محاولة تحقيقه: جلبت إلى وسط المدينة كثيرا من الناس الذين لم يعتادوا المجيء إليه".
وتحاول الشركة التغلب على تشكك المصريين الميسورين في وسط المدينة من خلال تعزيز المؤهلات الثقافية والإبداعية للمنطقة. وبالفعل وفرت الشركة أماكن لمجموعات الفن والتصوير، وترعى أيضا مهرجانا للفنون المعاصرة. وضمن رؤية الشركة للمنطقة، هناك خطط لتحويل دار السينما المهجورة إلى قاعة للموسيقى، مع أماكن لتناول الطعام وعروض حية، لكن هذه الخطط تنتظر إلغاء السلطات حظرا على المطاعم الجديدة في المنطقة. ويتحدث الشافعي أيضا عن إنشاء تجمعات تجزئة صغيرة تشتمل على مقاه ومعارض فنية ومحال ملبوسات تبيع سلعا من إنتاج المصممين المحليين.
قال الشافعي "نحن نحاول العثور على مفاهيم فريدة لا توجد في أماكن أخرى في المدينة. نريد أن يكون وسط المدينة منطقة ينطلق منها أي مفهوم إبداعي جديد".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES