FINANCIAL TIMES

لا يمكن لإفريقيا التعويل على العائد الديموغرافي وحده

لا يمكن لإفريقيا التعويل على العائد الديموغرافي وحده

في عام 1957، عندما نالت غانا استقلالها، كان هناك 6.05 مليون غاني و200 مليون شخص يعيشون في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. اليوم تضاعف عدد سكان غانا أكثر من أربعة أمثال ليصل إلى 29 مليون نسمة، بينما تضاعف عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء إلى نحو مليار نسمة. إنها مجرد بداية. إفريقيا على حافة انفجار سكاني لم يسبق له مثيل.
إذا طلبت من الناس أن يحددوا أهم الاتجاهات التي تشكل العالم، فإن أكثرهم سيذكر تغير المناخ، أو نهضة الصين، أو إمكانات الذكاء الاصطناعي، أو تصاعد النزعة القومية. قليل منهم سيشير إلى الزيادة الهائلة في عدد السكان في قارة تعتبر بالنسبة إلى كثيرين فكرة ثانوية.
القضية الأساسية للأمم المتحدة هي أن عدد الأفارقة سيتضاعف في غضون 30 سنة إلى ملياري شخص، ثم يتضاعف مرة أخرى على الأقل إلى أربعة مليارات بحلول نهاية هذا القرن. إذا استطاع كل هؤلاء الناس الجدد العثور على وظائف وفرص، فإن النمو العالمي سيتحول تدريجياً إلى إفريقيا.
وإذا لم تستطع إفريقيا توفير الوظائف، وهو أمر متوقع بالقدر نفسه، فمن الممكن أن تصبح محورا لزعزعة الاستقرار واليأس. ويمكن أن يتفاقم نقص الأغذية، أو يستفحل بسبب تغير المناخ. وقد تتصاعد حدة الاشتباكات بين رعاة المواشي من قبيلة فولاني في نيجيريا والمزارعين المستقرين، وهي اشتباكات أزهقت آلاف الأرواح، إلى جانب الصراع على الأرض والموارد. ومن المتوقع أن يزيد عدد سكان نيجيريا وحدها ـ 45 مليون نسمة عند الاستقلال و180 مليونا اليوم ـ إلى أكثر من الضعف مرة أخرى بحلول عام 2050، وهو ما يفوق مثيله في الولايات المتحدة.
في كتاب "نزوح الأفارقة"، يقول مؤلفه أسفا واسن أسيريت، وهو إثيوبي أمضى سنوات شبابه في ألمانيا، "إن موجات الهجرة المستقبلية إلى أوروبا يمكن أن تقلل من حجم الأرقام الحالية. قبل كل شيء، الآفاق القاتمة بشكل عام هي التي تدفع الأفارقة إلى مغادرة أوطانهم".
متوسط العمر في إفريقيا جنوب الصحراء 19.5 عام مقارنة بـ 38 في الولايات المتحدة، و43 في الاتحاد الأوروبي و47 في اليابان. يتم خبز كثير من النمو السكاني في الفطيرة الديموغرافية الحالية. في عام 1960 كان واحد من كل عشرة من سكان العالم إفريقيًا. وبحلول نهاية القرن سيكون أكثر من واحد من كل ثلاثة.
يزعم بعضهم أن هذا هو العائد الديموغرافي لإفريقيا. مثلما فعلت آسيا قبل ذلك، ستحصد إفريقيا مكافآتها من حيث النمو المرتفع وارتفاع مستويات المعيشة. لكن هذا إساءة فهم لماهية العائد الديموغرافي. إذا كانت إضافة الناس كافية، فإن إفريقيا ستكون غنية بالفعل.
المعنى الحقيقي للعائد الديموغرافي هو انخفاض معدل الإعالة، أو ارتفاع عدد السكان في سن العمل بالنسبة إلى الشباب والمتقاعدين. وبموجب هذا المقياس، لا تملك إفريقيا أي عائد على الإطلاق. بل تعاني عجزا - عجز في طريقه إلى الاتساع. في معظم أنحاء العالم يشكل السكان في سن العمل "15-64" نسبة تراوح بين 60 و70 في المائة من المجموع. في إفريقيا تشكل 54 في المائة فقط.
السبب الرئيسي هو أن معدلات الخصوبة لم تنخفض بالسرعة التي تشهدها المناطق الأخرى. في عام 1960 كان لدى النساء في معظم البلدان النامية أكثر من ستة أطفال. انخفض هذا بشكل كبير في العقود اللاحقة. وبحلول منتصف التسعينيات كان المعدل ثلاثة في أمريكا اللاتينية وفقط 2.2 في شرق آسيا. في إفريقيا ظل المعدل مرتفعا للغاية ـ هبط قليلاً إلى 5.9 بحلول منتصف التسعينيات، ثم إلى 4.85 اليوم.
الأسباب ليست واضحة. قد يكون أحدها عدم الوصول إلى وسائل منع الحمل، التي تستخدمها بشكل منتظم أقل من واحدة من بين كل خمس نساء إفريقيات. برنامج الأمم المتحدة للتنمية يقول إن الرؤساء الأفارقة الذين يبلغ متوسط أعمارهم 62 عاما ليسوا على صلة بالاحتياجات السياسية للسكان الأصغر سنا. تشير دراسات استقصائية إلى أن النساء الإفريقيات يرغبن في عدد أقل من الأطفال مما هو عليه في الواقع، لكن تفضيلاتهن لا تزال للأسر الكبيرة نسبياً، وذلك وفقاً لجون بونجارتس، من مجلس السكان، وهو منظمة غير ربحية متخصصة في الصحة الإنجابية.
من غير المحتمل أن يكون هذا أمرا متعلقا بالجانب "الثقافي". فالثقافات تتغير بتغير الظروف. هذا يشير إلى أن فكرة التعلق بالعائلات الكبيرة - الوليدة جزئيا بسبب الخوف من شيخوخة فقيرة - هي فكرة راسخة.
إن تحفيز السيطرة على السكان أمر مثير للجدل. في الهند، في سبعينيات القرن العشرين، كانت هناك برامج تعقيم قسرية مرعبة تنبع من قناعة بأن الفقراء لديهم عدد كبير من الأطفال. في إفريقيا يجادل بعضهم بأن القارة ما زالت تعاني قلة عدد السكان وفقا للمعايير الأوروبية أو الآسيوية، بينما يقول آخرون "إن إثارة المخاوف حول الإنفجار السكاني في إفريقيا ليست سوى ضرب من المخاوف العنصرية".
هذه الحجج مفهومة، لكنها مضللة. يشير نمو آسيا بقوة إلى أن أفضل طريقة لتحسين سبل المعيشة هي من خلال خفض معدل الخصوبة - ومعه تنخفض نسبة الإعالة. فمع عدد أقل من الأطفال يخف القلق ويتمكن الوالدان من تخصيص مزيد من الوقت والموارد للتغذية والتعليم وتوفير الفرص لأطفالهم.
من المفيد للقادة الأفارقة ألا يضعوا افتراضات غير مبالية حول المزايا الاقتصادية المفترضة لسكانهم الذين يتزايدون بسرعة. فهم بحاجة إلى سياسات في الريف وفي المدن المتضخمة للمساعدة على تحويل قوتهم العضلية الجديدة إلى استخدام منتج وضمان ألا يصبح العمال المحتملون شبابًا غاضبين وساخطين.
ومن الأهمية بمكان أن يدفعوا معدلات الخصوبة إلى الإنخفاض تدريجيًا، لكن ليس بالإكراه، بل من خلال تحسين النظم الصحية والتعليمية وتمكين المرأة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES