Author

التنمية والنقود والفقر

|
لقد أحرز العالم تقدما كبيرا في العقود الأخيرة في الصراع ضد الفقر، وبينما عام 2018 يشرف على نهايته هناك أكثر من مليار شخص - واحد من كل سبعة أشخاص - لا يزال يعيش على أقل من نحو 1.25 دولار في اليوم. إن القضاء على الفقر يحتاج إلى جهد دولي، وإيجاد الموارد لعمل ذلك ومن الوهلة الأولى، فإن ثمن ذلك باهظ للغاية، فنحن نعرف أن المساعدات التنموية لن تكون كافية لإنهاء الفقر. سيتطلب الأمر استثمارات من القطاع الخاص، وجمع الضرائب في الدول النامية وغيرهما من مصادر التمويل لتحقيق ذلك. الحقيقة هي أن هناك أموالا كافية في العالم لتحقيق ذلك. إن أحد المصادر غير المتوقعة للثروة التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا هو العرض الهائل للأموال القذرة: الأرباح غير المعلنة للشركات متعددة الجنسيات، وعائدات الفساد، وأرباح مهربي المخدرات والأسلحة والبشر، وكل تلك الأموال مخبأة في حسابات مصرفية في الخارج "أوفشور"، وفي شركات وصناديق ائتمان. إن من الصعوبة بمكان الحصول على أرقام تتمتع بالمصداقية فيما يتعلق بكمية الأموال القذرة حول العالم، ولكن طبقا لتقديرات مجموعة النزاهة المالية العالمية، التي لا تستهدف الربح، فإن تريليون دولار يختفي من اقتصادات العالم النامي كل عام، وهي أموال تحتاج إليها تلك البلدان بشدة للتنمية. إن هذا المبلغ هو المبلغ الذي نحتاج إليه تقريبا لسد الفجوة الضخمة في البنية التحتية التي تمنع العالم من التعامل مع التحديات التنموية الحيوية، من التمدن السريع، للتغير المناخي، وتوليد الوظائف. إن الدول النامية والناشئة اليوم تستثمر نحو تريليون دولار سنويا في البنية التحتية، وهي بحاجة إلى تريليون دولار إضافي سنويا لسد الفجوة، وهي خطوة ضرورية لإنهاء الفقر المدقع بحلول 2030. لكن نقص تنفيذ وتطبيق الإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال والشفافية الضريبية وقواعد مكافحة الفساد تحمي الجناة من الملاحقة القضائية. إن هذا في نهاية المطاف يمنع الدول النامية من إيقاف تدفق الأموال إلى الخارج، ما يحرمها من موارد ضرورية. بالنسبة للتلميذ في بورت برنس والأم الجديدة في مقديشو والمزارع في أكوتيبيك فإن لهذه الخسائر أثرا فعليا: الصفوف المدرسية المزدحمة والعيادات الصحية غير المتوافرة والموارد المائية غير الكافية. إن هذا يعني أن الفرص التي يجب أن تذهب للناس تتم سرقتها منهم. ولحسن الحظ فإن المجتمع الدولي قد استيقظ. إن مبادرة أطلقها وزراء المالية الأفارقة برئاسة ثابو مبيكي رئيس جنوب إفريقيا السابق تحقق في هذا الموضوع بالنسبة للقارة، حيث خسرت القارة 1.4 تريليون دولار أمريكي من تدفقات الأموال للخارج في العقود الثلاثة الماضية. لقد بدأت مجموعة الـ20 أخيرا في الدعوة لعمل جماعي من أجل التحقق من أن الأعمال السيئة لا تعود بالنفع، وفي اجتماع عقد أخيرا في برلين قامت الحكومات بالتوقيع على صفقة لتضييق الخناق على التهرب الضريبي عبر الحدود. إن هذه أخبار طيبة خاصة للفقراء، ولكن لا يزال هناك عديد من العقبات، والآن يجب على العالم أن يركز على ثلاث قضايا حيوية. أولا، يجب على الدول النامية أن تبني مؤسسات فعالة، بينما تقوم بتطبيق الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، فيجب عليها محاربة الفساد والجريمة المنظمة، وتطبيق أنظمة ضريبية فعالة، وهذا يعتبر أمرا أكثر إلحاحا في الدول الغنية بالموارد. إن الأحداث الأخيرة في أوكرانيا وكذلك الدول التي نشبت فيها الحروب في الشرق الأوسط تظهر كيف أن الاستيلاء على خزائن الدولة من قبل أصحاب المصالح الشخصية يثير الصراع، ويقوض ثقة الناس بالحكومة. لكن الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي هي مشاكل عالمية، وليست فقط تحديات للدول النامية، وعلى الرغم من أن المؤسسات الوطنية الضعيفة والقدرة المحدودة على تطبيق القانون يمكن أن تسهل البدء في تحويلات مالية غير شرعية، فنحن بحاجة إلى إقرار بأن الأموال القذرة عادة ما ينتهي بها المطاف إلى مراكز مالية أصبحت جهات لتمكين هؤلاء من عمل ما يريدونه تقريبا، ولهذا فإن التعامل مع هذه القضية يتطلب تعاونا دوليا. ثانيا، إن الأنظمة التي تحدد الملاك الحقيقيين للأموال غير الشرعية يجب أن يعمل على تطبيقها، فبعد أن يتم استثمار تلك الأصول في شركات لا تتمتع بالشفافية تصبح خارج متناول السلطات الضريبية والمحققين، ومرارا وتكرارا فإن المستفيدين الحقيقيين أو ملاك الشركات وصناديق الائتمان المستفيدين يتمتعون بالحماية من الإفصاح؛ بسبب قوانين وأنظمة تحمي المجرمين من غير قصد وهذا يجب أن يتوقف. أخيرا، فإن نظاما للتبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين البلدان سيحد من الأماكن التي يستخدمها أولئك المتهربون من الضريبة الذين يقومون بغسل الأموال في إخفاء عوائدهم بكل سهولة. لقد التزم 90 بلدا تقريبا بالبدء سنة 2017 بالتبادل عبر الحدود لمعلومات تتضمن معلومات عن أصحاب الحسابات، وتفاصيل معينة تتعلق بودائعهم وأرصدتهم، وهي معلومات يمكن أن تساعد السلطات على تحديد عائدات الفساد والتعاملات المالية، من خلال النشاطات والارتفاعات المشبوهة. نحتاج إلى مزيد من العمل خلال الفترة المقبلة والفترة التي تليها، ولقد بدأنا العمل فعليا في البنك الدولي مع عملائنا في الدول النامية لتحسين أنظمة الحكم لديهم، وكيفية تحصيل الضرائب، ومكافحة الفساد، واستعادة الأصول المسروقة. إن عملنا سيستفيد بشكل كبير من التحرك الحالي لمزيد من التعاون الدولي في مكافحة التدفقات المالية غير الشرعية. إن تغيير قوانين السرية المصرفية، التي تحظى بالإعجاب، يستحق كل هذا الجهد، فالفساد والتهرب الضريبي والاستيلاء على إيرادات الموارد الطبيعية أمور تقوض حكم القانون، وتضعف النسيج الاجتماعي، وتؤثر سلبا في ثقة الناس بالمؤسسات، وتغذي الصراع وانعدام الاستقرار، وتعوق توليد الوظائف. إن هذه القوانين ليست فقط غير قانونية، ولكنها غير أخلاقية كذلك؛ كونها تبقي الفقراء على حالهم. خاص بـ «الاقصادية» حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت
إنشرها