FINANCIAL TIMES

ارتفاع أسعار الفائدة يهدد أغلى سوق للعقارات في العالم

ارتفاع أسعار الفائدة يهدد أغلى سوق للعقارات في العالم

في الوقت الذي يسجل فيه الدولار الأمريكي المنتعش أعلى مستوى له منذ أكثر من عام لم تعد الأسواق الناشئة وحدها هي التي تتعارك مع التداعيات. سوق العقارات المزدهرة في هونج كونج أيضا باتت عرضة للخطر.
في الأسبوع الماضي اضطرت السلطة النقدية في هونج كونج إلى التدخل وشراء العملة المحلية للمرة الأولى منذ أيار (مايو)، للحؤول دون انقطاع الارتباط مع الدولار الأمريكي القائم منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ولأن من المتوقع أن تعمل زيادات أخرى في أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي على دعم العملة الأمريكية، فإن قلة من الناس هم الذين يستبعدون اتخاذ مزيد من الإجراءات من جانب السلطة النقدية التي هي من الناحية العملية البنك المركزي في هونج كونج، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع سعر الإقراض المحلي بين المصارف، الذي هو الأساس لكثير من القروض العقارية في هذا الإقليم الصيني المتمتع بالحكم شبه الذاتي.
حتى الآن كانت الآثار واهنة على سوق العقارات السكنية في هونج كونج، حيث تباع مساحات صغيرة بحدود 117 مترا مربعا مقابل 2.28 مليون دولار هونج كونج (290 ألف دولار أمريكي). ارتفع متوسط الأسعار بأرقام تزيد على خانتين، لكن خبراء يحذرون من أن آفاق العام المقبل أقل تفاؤلا بكثير.
وبحسب محللين في شركة نومورا "هونج كونج تظهر عليها الآن الأعراض التقليدية لكثير من الأزمات المالية السابقة: سوق عقارات ذات أسعار مفرطة وديون مرتفعة، ما أدى إلى جعل المدينة ضعيفة أمام دورة متسارعة من زيادة أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي".
وخلال الأسبوع الماضي عمل عدد من المصارف الكبيرة في الإقليم، بما فيها "إتش إس بي سي"، على رفع أسعار الفائدة على القروض العقارية الجديدة. وقال يانج سان كوون ومينورو نوجيموري، من "نومورا": "ارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية ربما يتسبب في حدوث تصحيح متواضع في سوق الإسكان في عام 2019".
ربما لا يكون ذلك قد ظهر تماما في أسعار العقارات حتى الآن، لكن سوق الأسهم في هونج كونج تتوقع منذ فترة آفاقا أكثر صعوبة. فقد انخفضت أسهم شركات التطوير العقاري الكبرى هذا العام، وتراجع سعر سهم شركة هندرسون لتطوير الأراضي نحو 12 في المائة، و"سان هون كاي" 8 في المائة، و"ويل كوك" 7 في المائة، و"جريت إيجل" 5 في المائة.
ويشعر المساهمون في شركات التطوير العقاري المحلية بالقلق أيضا إزاء مقترح قدمته حكومة الإقليم في حزيران (يونيو) يدعو لفرض ضريبة على المساكن الفارغة، في محاولة لمنع اكتناز العقارات وتحرير العرض في قطاع الإسكان.
قال روب سوبارامان، كبير الاقتصاديين ورئيس بحوث الأسواق العالمية لمنطقة آسيا باستثناء اليابان في شركة نومورا: "(العقارات) جزء مهم جدا من اقتصاد هونج كونج، لذلك يمكن أن يكون التأثير لا يستهان به إلى حد كبير". وأضاف أن خدمات البناء والعقارات مجتمعة تستأثر بنحو عُشر الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع بعض المحللين، بمن فيهم محللون لدى "مورجان ستانلي"، أن ترتفع أسعار الفائدة الأساسية، التي يتم تحديدها من قبل المصارف وتستخدم معيارا لتسعير العقارات في هونج كونج، جنبا إلى جنب مع هيبور، خلال النصف الثاني من هذا العام وذلك للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمن.
كين يونج، الخبير الاستراتيجي لدى "سيتي جروب"، يرى أن الزيادة في أسعار العقارات خلال النصف الأول من العام زادت من مخاطر حصول انخفاض في النصف الثاني، ويتوقع تصحيحا بنسبة 7 في المائة خلال هذه الفترة. في الوقت نفسه يتوقع محللون لدى "بانك أوف أميركا ميريل لينتش" ركود يراوح بين 10 و20 في المائة في القيم خلال الفترة 2020-2019.
وتوصلت دراسة استقصائية أجرتها "ديموغرافيا"، مجموعة السياسة العامة الحضرية، إلى أن سوق العقارات في هونج كونج هي أقل الأسعار الميسورة في العالم للسنة الثامنة على التوالي. الدخل المتأتي من الإيجارات لم يواكب الأسعار، ما أدى إلى إضعاف الحجة الاستثمارية. ووفقا لـ"سي إل إس إيه"، تراوح نسبة عائدات الإيجارات السكنية بين 2.5 و3 في المائة تقريبا، مقارنة بـ4.3 و5 في المائة قبل عقد من الزمن.
ولاحظ جاريت ليذر، المحلل لدى كابيتال إيكونومكس، أن "أسعار العقارات (السكنية) ارتفعت ثلاثة أضعاف تقريبا على مدى العقد الماضي وتبدو الآن باهظة الثمن نسبة إلى الأزمة الآسيوية، عندما انخفضت بمقدار النصف من الذروة إلى القاع. وهي الآن تبدو ذات أسعار باهظة للغاية".
وثمة عوامل أخرى ساندت السوق في الماضي وهي الآن عرضة للتهديد أيضا. تبين بحوث أجرتها شركة كوليرز إنترناشيونال للخدمات العقارية أن تدفق رأس المال الصيني الذي يجري توجيهه إلى أجزاء من سوق العقارات السكنية في هونج كونج أخذ يتباطأ. إذ بلغت الاستثمارات الصينية في المواقع السكنية في النصف الأول من هذا العام 835 مليون دولار، مقارنة بسبعة مليارات دولار في العام الماضي بأكمله.
وبحسب تيرينس تانج، المدير الإداري لشعبة أسواق رأس المال وخدمات الاستثمار في شركة كوليرز في آسيا "تعمل الحكومة الصينية على تثبيط المضاربة في سوق العقارات، أساسا في القطاع السكني. وهي بذلك تؤثر على بعض شركات التطوير التي تشتري مواقع في هونج كونج".
مع ذلك يستبعد بعض المراقبين التوقعات القاتمة التي تشير إلى تصحيح في الأسعار هذا العام. وقال المحللون لدى "مورجان ستانلي" إن التدابير الضريبية الأخيرة المفروضة على العقارات الفارغة، مثلا "من غير المرجح أن تؤثر في أسعار العقارات ما لم تتحول مشاعر السوق لتصبح سلبية".
قالت إليسيا تسي، رئيسة استراتيجية وبحوث آسيا والمحيط الهادئ في لاسال لإدارة الاستثمارات، إنه في الوقت الذي "يمكن أن تكون فيه أسعار المساكن في هونج كونج معرضة للخطر، لاسيما عندما تقترن بالزيادات في أسعار الفائدة"، إلا أنها لا تتوقع تصحيحا كبيرا في المستقبل القريب.
المتشائمون تعرضوا لخيبة أمل خلال العقد الماضي، لكن مع التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الصيني، ومع تقدم الدولار الأمريكي، فمن الممكن أن يكون عام 2019 هو السنة التي تتغير فيها الأمور في سوق العقارات في هونج كونج.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES