Author

آليات لتغيير سلوك الهدر الغذائي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
اليوم عرفة، وهو يوم عظيم كما لا يخفى، وغدا عيد الأضحى، وبعده أيام التشريق، والكل أيام أكل وشرب. بارك الله للجميع وتقبل منهم، لكن من المهم التنبيه على أهمية شكر النعم. إننا مأمورون بشكر الرب سبحانه وتقدير نعمه، ومن الشكر منع هدر النعم، والتبذير والإسراف، وهذه لا تحتاج إلى مزيد بيان، إلا أن واقع بعض الناس مؤسف. وقد قيل إن بلادنا تحتل مرتبة متقدمة في هدر الطعام، بل ربما قيل إنها الأولى، وهذا أمر محزن. ولا شك أن بعض السياسات المتخذة في برامج "الرؤية" قد دفعت نحو سلوك أكثر رشادا في تقدير النعم، ومطلوب مزيد من الرشاد. الحقيقة التي لا مراء فيها أن الهدر مشكلة محلية ومشكلة عالمية. قال البنك الدولي قبل مدة، إن العالم يفقد أو يهدر قرابة ثلث الطعام الذي ينتجه للاستهلاك، وهذا الهدر فساد كبير. يقول رئيس البنك: "ملايين الناس حول العالم يذهبون كل ليلة إلى مضاجعهم جوعى، ومع ذلك، فإن ملايين الأطنان من الغذاء ينتهي بها المطاف في صناديق القمامة، أو تفسد في الطريق إلى الأسواق". وسبقت قول البنك دراسة أعدت لحساب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" قبل نحو ثلاث سنوات، خلاصتها أن نحو ثلث الطعام المنتج في العالم للاستهلاك الآدمي كل عام؛ أي نحو 1.3 مليار طن، يهدر أو يبدد. وأوردت الوثيقة المعنونة "خسائر الطعام العالمية والنفايات الطعامية"، التي تكلفت "فاو" والمعهد السويدي للطعام والتكنولوجيا الحيوية بإعدادها للمؤتمر الدولي، الذي أطلق عليه تسمية "وفروا/ أنقذوا الطعام" - النتائج الرئيسة التالية: - تكاد البلدان الصناعية والنامية تبدد كميات الغذاء نفسها؛ أي بمقدار 670 و630 مليون طن على التوالي. - في كل عام يهدر المستهلكون لدى البلدان الثرية غذاء بمقدار 222 مليون طن؛ أي ما يعادل مجموع الإنتاج الصافي للأغذية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى "نحو 230 مليون طن". - تفوق الثمار والخضراوات والجذور والدرنات النباتية جميع معدلات الخسارة من جميع أنواع الأغذية. - تعادل كمية الغذاء، التي تفقد أو تهدر، أكثر من نصف محصول الحبوب المنتج سنويا في العالم "2.3 مليار طن عام 2009 و2010". الهدر ليس فقط في الطعام المنتج، بل في الموارد المستخدمة لإنتاج هذا الطعام، بما في ذلك المياه والأراضي والطاقة والأيدي العاملة ورأس المال، فضلا عن توليد عوادم لا داعي لها من الغازات المساهمة في الاحتباس الحراري، ما يدفع إلى ارتفاع درجات الحرارة، ويفاقم من تغير المناخ. ويعرض تقرير «فاو» عددا من الاقتراحات العملية لكيفية خفض هذه الخسائر والنفايات. من الشائع أن يشجع المستهلكون على شراء أطعمة تزيد على الحاجة. مثلا، تنتشر إعلانات "اشتر كذا واحصل على كذا مجانا". وتُعِد المطاعم والمآكل والحفلات أطعمة ووجبات بكميات وأحجام فيها إسراف بَيِّنٌ. وليس غريبا أن تعرض المطاعم سعرا ثابتا بعض الأحيان على قدر غير محدود، أو ما يسمى "بوفيها مفتوحا"، وهذا يغري الضيوف أو الزبائن بملء صحونهم دون إعطاء اهتمام له قيمة بما يحتاجون إليه فعلا من الطعام. ويرى تقرير "فاو" أن المستهلكين يخفقون في التخطيط الصائب لمشترياتهم؛ أي أنهم - في أغلب الأحيان - يلقون بكميات لا يستهان بها من الطعام لدى انتهاء تواريخ "يفضل الاستهلاك قبل تاريخ كذا". كل ما سبق يجعل السلوك السائد يحوي - من دون شك - منكرا محاربته مطلوبة. وفي هذه المحاربة، تنبغي الاستفادة مما نشر من تقارير في السلوكات المؤدية إلى الهدر، ووضع القواعد والضوابط للحد من تلك السلوكات. من الممكن استغلال التعليم، ومبادرات السياسات منطلقات ممكنة لتغيير عادات الاستهلاك المسرفة تلك، وهذا مقترح في التقرير؛ إذ لا بد من بذل جهود تؤدي إلى تلقين المستهلكين أن رمي الطعام في القمامة بلا داع أمر منكر. وفي الوقت ذاته، من المتعين نشر ثقافة مفادها بأن محدودية الموارد الطبيعية المتاحة تقتضي خفض خسائر الطعام كحل أعلى فعالية من إنتاج مزيد من الأطعمة تلبية للاحتياجات المتنامية لسكان العالم المتزايدين. أخيرا، أشيد بأعمال أو مشروعات استقبال فائض الولائم لدى جمعيات أو جماعات خيرية؛ لتوزيعه على الفقراء والمحتاجين والمساكين. وتقبل الله من الجميع.
إنشرها