Author

جهود السعودية في خدمة الحجاج .. صناعة وثقافة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

على خلاف ما يحدث في كثير من دول العالم، لا يشعر غالبا بتفاصيل الحج إلا الحاج وأقاربه والمقربون منه، لكننا نجد أن موسم الحج في المملكة يشعر به كل من يعيش في هذه البلاد، مواطنا أو مقيما، صغيرا أو كبيرا، رجلا أو امرأة على حد سواء، فجميع المؤسسات الحكومية دون استثناء تشارك في هذا الموسم، والمؤسسات الإعلامية للمملكة تتفرغ لتغطية تفاصيله، وهذا أمر معتاد ومعروف في كل عام، وهو انعكاس للاهتمام الكبير الذي يحظى به على مختلف الأصعدة، ما يعزز ويسهل من أعمال الحج لجميع قاصدي بيت الله الحرام، وهذا مبني على قناعة ويقين بالمسؤولية تجاه ضيوف الرحمن وشعيرة الحج في المملكة.
وتُلاحَظ في هذا العام - باعتبار أن ذلك امتداد للاهتمام بخدمة ضيوف الرحمن - مجموعة من البرامج التي تهدف إلى خدمة شعيرة الحج، ومنها "هاكاثون الحج"، الذي يهدف إلى تجميع العقول التقنية من مختلف دول العالم، بإيجاد حاضنة لابتكاراتهم فيما يخدم ضيوف الرحمن، وتفعيل التقنية بما يخدم حجاج بيت الله، ويزيد من فرص تمتعهم بمزيد من الخدمات والتسهيلات، التي حولت الحج من حالة الإجهاد والتعب للوصول إلى الحرمين الشريفين ولأداء المناسك، إلى موسم لا ينسى، بما يتمتع به الحاج من تسهيلات تجعل يومه بالكامل يصرفه في العبادة والتركيز فيها، ما يجعل هذا الموسم تجربة يتشوق إلى تكرارها المسلم كلما سنحت له الفرصة؛ ليتمتع بمشاهدة بيت الله وضيوفه من كل مكان في هذه الأرض، فهو مؤتمر عالمي، يمثل تجربة تتحقق فيها مجموعة كبيرة من شعائر العبادة والقيم والأخلاق، ومنها مظاهر المساواة والتواضع، فهذه الشعيرة فيها مجموعة من الدروس العملية التي يشهدها العالم. ومع توسع العالم في أدوات الاتصال المختلفة، سيجد الجميع أن هذه التجربة تعكس صورة مميزة وإيجابية عن المجتمع المسلم، ولعل تجمع "هاكاثون الحج" واحدة من المظاهر التي تجعل من خدمة ضيوف الرحمن صناعة، يعمل كل من يشارك فيها على أن تكون عملا مؤسسيا مميزا، وخدمات مستدامة مع تطور مستمر. أما عن الجانب الثقافي أو التقليد العام للمجتمع فيما يتعلق بالحج، فيلخصه مشهد رجل الأمن، الذي قدم حذاءه لامرأة عجوز في مشهد عفوي، تم التقاطه خلسة، وهو صورة ظهرت للعالم، وهناك صور أخرى كثيرة لم تلتقط، ولم تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، قد تكون المعاني فيها أكبر، وهو شاهد على حجم الاهتمام المجتمعي بهذا الموسم؛ حتى أصبحت خدمة ضيوف الرحمن خلقا وسلوكا، وليست وظيفة يؤديها كل من يعمل في خدمة الحجيج، وهي صورة تعكس حجم التضحية والعمل الإنساني الذي يقدمه الموظف في المطار ورجل الأمن والجمارك والقطاع الصحي وشؤون الحرمين والشؤون الإسلامية ووزارة التعليم، وغيرها من المؤسسات الخيرية والاجتماعية، وكل أبناء منطقة مكة وغيرها من المناطق.
لا شك أن خدمة ضيوف الرحمن تقليد للمجتمع في الجزيرة العربية، منذ أن أمر المولى - جل وعلا - نبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - الناس بالحج، لكن في هذا الزمان - وقد يكون حدث ذلك في بعض العصور - نجد الاهتمام بجميع التفاصيل الخاصة بهذه الشعيرة، وهذا بلا شك اهتمام لم يكن ليحصل بهذا المستوى لولا توفيق رب العباد، ومن بعد ذلك الاهتمام الكبير على المستوى الحكومي، وإخلاص أبناء هذا الوطن، واحتسابهم الأجر من الله في خدمة ضيوف الرحمن. كل المشاريع التي تتوالى في الحرمين الشريفين شاهدة على عناية كبيرة بهذا المكان وبهذه الشعيرة، ما جعل احتياجاتها والخدمات والمشاريع الخاصة بها أولوية لا يشاركها فيها شيء آخر، حتى مع تباين الظروف العامة للاقتصاد الوطني، والتحديات السياسية والأمنية للوطن، ولم تكن هذه الشعيرة في أي ظرف أداة يتم توظيفها سياسيا على أي مستوى، وهذا - بحمد الله - قد يكون أحد أسباب الثقة والتمكن لولاة الأمر في المملكة منذ عهد المؤسس - رحمه الله - إلى يومنا هذا، في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وبمساندة من ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله.
فالخلاصة، إن موسم الحج شاهد على حجم العناية والاهتمام بهذه الشعيرة في المجتمع، سواء على مستوى القيادة أو الجهات التنفيذية أو المجتمع، وما يميز التطور في خدمة ضيوف الرحمن حاليا أنها تحولت إلى صناعة، كما أنها أصبحت في المجتمع بمختلف مستوياته ثقافة وتقليدا يحرص عليها ويتشرف بها. أسأل الله لكل من شارك في خدمة ضيوف الرحمن التوفيق والسداد، ومضاعفة الأجر والثواب، وأن يبارك الله لهم في جميع شؤونهم.

إنشرها