FINANCIAL TIMES

أخيرا.. الاتفاق على تحويل بحر قزوين إلى بحيرة سلام

أخيرا.. الاتفاق على تحويل بحر قزوين إلى بحيرة سلام

متى لا يكون البحر بحرا؟ هذا السؤال هو مثار نقاش طويل لدى الدول الخمس المطلة على بحر قزوين على مدى 26 عاماً، إلا أن حل هذه المعضلة بات المتناول، بالنظر إلى أن هذا الفتح في الجغرافيا السياسية، عقب الاتفاق في القمة الأخيرة، سيؤثر في كل من صناعة الطاقة العالمية والعلاقات في آسيا الوسطى.
بحر قزوين، أكبر كتلة مائية مغلقة في العالم، غني برواسب المواد الهيدروكربونية متنوعة مصادر الطاقة، وهو حاجز طبيعي يفصل بين احتياطيات الغاز الكبيرة في تركمانستان وأوروبا، بالذات.
كان في الماضي منقسما بين الاتحاد السوفياتي وإيران، غير أن انهيار الاتحاد السوفياتي، أدى إلى ظهور أربعة دول متجاورة على شواطئ بحر قزوين هي: روسيا وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان – وقذف وضع البحر في مستنقع المشاحنات الدبلوماسية المستمرة منذئذ.
كان ذلك المأزق قد تسبب في إحباط مشاريع مثل خط الأنابيب المقترح إنشاؤه تحت البحر بطول 300 كيلو متر إلى أذربيجان، للاستفادة من الأسواق الأوروبية.
يبدو أن حالة اللبس بدأت في التلاشي الآن. يوم الأحد قبل الماضي في أكتاو، على الشاطئ الكازاخي من البحر، وقع رؤساء الدول الخمس على اتفاقية تنظم الوضع القانوني للبحر أو بالأحرى أنصبة الدول من الموارد الزاخرة فيه.
روسيا، التي تنظر إلى المنطقة على أنها ساحة قتال جغرافية سياسية، تخلت عن اعتراضات موجهة ضد خط الأنابيب التركماني، ومطالب أخرى مقابل تعاون أوثق مع دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وضمانات أمنية تؤكد هيمنتها العسكرية على البحر، وسط محاولات من جانب الصين والولايات المتحدة لبناء علاقات وثيقة مع الدول المطلة عليه.
قال شخص شارك في المفاوضات "اعتادت الدول المطلة على البحر أن تكون معارضة تماما لبعضها بعضا، والآن تمكنا أخيرا من تقريبهم. لقد كانت فترة انتظار طويلة".
كانت في صميم المحادثات مسألة ما إذا كان البحر هو في أساسه بحيرة ضخمة. تنظم المعاهدات الدولية حقوق الدول المطلة على البحار، وتجعل من البيِّن مدى امتداد السيادة الإقليمية والمناطق الاقتصادية والعسكرية عن السواحل. قال دبلوماسيون إن موسكو وطهران قالتا إن الأمر نفسه ينبغي تطبيقه على بحر قزوين.
بيد أنه لا توجد قواعد عالمية حول البحيرات. قال مسؤولون إن أذربيجان أرادت أن يتم تقسيم بحر قزوين بالكامل وفق هذا الأساس.
قالت زلفيا أمانجولوفو، كبيرة المفاوضين في كازاخستان بشأن قضايا بحر قزوين: "على الرغم من درجة تعقيد المشاكل، والخلافات الخطيرة في المصالح الوطنية الخاصة بالمفاوضين، توصلت الدول الساحلية بشكل تدريجي إلى تفهم الحاجة إلى إيجاد تسوية شاملة لجميع جوانب الأنشطة البحرية. لم يتوقف العمل، كما قد يبدو من الخارج".
سيعمل الاتفاق على "ترسيم المنطقة البحرية، وتقسيم قاع البحر بالنسبة للبلدان، والتعاون العسكري والأنشطة الاقتصادية .. والنقل البحري وبحوث الحماية البيئية والعلوم البحرية"، وفقا لوثائق اطلعت عليها صحيفة فايننشال تايمز.
السياسة المتعلقة بالطاقة هي في غاية الأهمية. والائتلاف الذي تقوده كازاخستان يعمل على إنتاج النفط من مشروع حقل كاشاجان في الشمال الشرقي لبحر قزوين، ويعمل حقل لوك أويل على ضخ النفط الخام بالقرب من الساحل الروسي. ينبغي على الاتفاقية أن تزيل العقبات التي تواجه مشاريع استكشاف المواد الهيدروكربونية الأخرى.
يتضمن أيضا الاتفاق حسم مسألة خطوط الأنابيب المغمورة، التي يمكنها تمهيد الطريق أمام مشروع تركمانستان المؤجل منذ وقت طويل.
من الناحية التاريخية كانت روسيا تعرقل المبادرات التي من هذا القبيل، على اعتبار أنها ترى أنها منافس محتمل لصادرات شركة جازبروم المملوكة للدولة إلى أوروبا.
يقول الدبلوماسيون والمحللون إن موسكو خففت من اعتراضاتها، نظرا لهيمنة شركة جازبروم على سوق الاتحاد الأوروبي، ورغبة الكرملين في الحفاظ على علاقات طيبة في مجال نفوذها التقليدي وسط علاقة متوترة مع النيتو والولايات المتحدة.
قال شخص مشارك في المفاوضات: "اتفاقية خط الأنابيب هي فتح كبير. روسيا ترغب في الانتهاء من هذه القضية، من أجل تعزيز علاقاتها في المنطقة".
قالت كيت مالينسون، الشريك في وكالة بريزم لإدارة المخاطر السياسية، إن اتفاقية موسكو "مرتبطة أساسا بالاستراتيجية الروسية المتبعة في الشرق الأوسط، وليس الطاقة"، وهي علامة على تغير في النظام الجغرافي السياسي.
قالت مالينسون "ستكون روسيا قد سعت للحصول على تنازلات خلف الكواليس من شركائها السابقين في الاتحاد السوفياتي، مقابل استعدادها الجديد للجلوس إلى المفاوضات".
كما أضاف أن حاجات أذربيجان للغاز، لأغراض محلية، إضافة إلى ملء خط الأنابيب الجديد الممتد إلى أوروبا، كان من الممكن أن يكون قد عمل على تسهيل المفاوضات مع تركمانستان.
قال ماركو ألفيرا، الرئيس التنفيذي لشركة سنام SNAM سنام، أكبر منشأة للغاز الطبيعي في أوروبا، إن الاتفاقية المتوقع إبرامها حول بحر قزوين "هي تطور مثير للاهتمام إلى حد كبير".
وأضاف ألفيرا: "لدى تركمانستان الكثير من الغاز وهناك خط أنابيب قابل للتنفيذ، وهو رخيص الثمن. إنه خيار رائع بالنسبة لأوروبا وأذربيجان. من المؤكد أننا سنهتم بالأمر، لكننا بحاجة إلى الانتظار لنرى القرار النهائي الذي سيتم اتخاذه. ستمر سنوات قبل أن يبدأ أي بناء وتشييد حقيقي في المشروع".
ستؤكد الاتفاقية على أنه يسمح للدول الموقعة فحسب، بأن يكون لها وجود عسكري على البحر. بشكل أساسي، يعمل هذا البند على عرقلة أي وجود محتمل لحلف النيتو. وروسيا حتى الآن هي القوة البحرية الأقوى من بين الدول الخمس، وقد استخدمت السفن الحربية في بحر قزوين لشن هجمات بالصواريخ على سورية ضد الثوار على نظام الأسد، من على بعد نحو 600 كلم.
كما ترغب موسكو أيضا في الحفاظ على علاقات وثيقة مع طهران، كجزء من طموحاتها بأن تصبح قوة فاعلة رئيسية في الشرق الأوسط، نظرا لدعمهما المشترك لنظام الأسد، والخطط التي تقدمها شركات طاقة روسية للاستثمار في قطاع الغاز والنفط الإيراني.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES