FINANCIAL TIMES

بيتزا نابولي .. تتوسط مائدة «اليونسكو» للإرث الثقافي غير المادي

بيتزا نابولي .. تتوسط مائدة «اليونسكو» للإرث الثقافي غير المادي

بيتزا نابولي .. تتوسط مائدة «اليونسكو» للإرث الثقافي غير المادي

بيتزا نابولي .. تتوسط مائدة «اليونسكو» للإرث الثقافي غير المادي

في نابولي، يقولون إن الآباء يريدون من أبنائهم أن يتخذوا أحد مسارين: إما أن يصبحوا لاعبي كرة قدم في فريق نابولي وإما طهاة للبيتزا. هنالك نحو ثلاثة آلاف طاه للبيتزا في المدينة، والطهاة الأفضل هم "مثل المشاهير في عالمهم"، بحسب ما يقول أحدهم.
قد لا تفكر غالبا في قاعدة البيتزا التي تأكلها، لكن في نابولي، يكون الطاهي جيدا بمقدار ما تكون قاعدة البيتزا التي يصنعها جيدة.
القدرة على مزج الخميرة مع الماء والدقيق لصنع العجين، ومن ثم مدها وتسطيحها (يقول الإيطاليون إنها تُسحَق) لصنع أفضل بيتزا في المدينة، الجزء المنتفخ حول البيتزا، هو فن من اختصاص الذواقة.
وعند نشر ذلك عبر "إنستاجرام" يمكن نيل شهرة واسعة أو خسارتها تبعا للون العجين ومدى انتفاخه.
في صورة ما، نادرا ما تبدو الموزاريلا غير صالحة للأكل، لكن يمكنك أن تحدد بكل سهولة ما إذا كانت القشرة المحيطة بالقاعدة رخوة أم محروقة.
يقول ثوم إليوت، الذي أسس مع شقيقه جيمس سلسلة مصغرة من مطاعم بيتزا بيلجريمز الناجحة في لندن ذات الطراز النابولي: "الطهاة لدينا مهووسون بالعجين الذي يصنعونه أكثر من أي شيء آخر.
هو يمثل بصمتهم؛ لأنه الشيء الوحيد الذي لا يمكنك الاختباء وراءه". هناك أكثر من 90 في المائة من الطهاة الذين يعملون ضمن سلسة مطاعم بيتزا بلجريمز البالغ عددها ثمانية مطاعم هم من نابولي، ويقوم كل رئيس طهاة بصنع العجين وفق مواصفاته.
ويقول إليوت إن استخدام وصفة شخص آخر من شأنها أن تشبه محاولة كتابة الفصل الأخير لكتاب مؤلف آخر.
ينبغي لعجينة البيتزا النابولية أن تكون لها قاعدة رقيقة ومرنة، وعدد من العلامات الدالة على الاحمرار في الفرن ("مبقعة مثل الفهد") وتبدو منتفخة.
يقول جيمس إليوت، بينما يقوم بتقليب شريحة بيتزا مارجريتا لكي أرى قاعدتها ويدفع قشرتها المنتفخة: "مثل العجين الفرنسي الجيد المتخمر الذي يحوي فقاعات الهواء الكبيرة. ليست متعجنة ولينة مثل بيتزا دومينوز".
العيوب التي لا تغتفر تشتمل على وجود بثور سوداء كبيرة على القشرة؛ لأن العجين لم يختمر بعد، وإن كانت مُسمرّة بأكملها فإن السبب هو عدم حصولها على حرارة كافية. ينبغي أن تكون مطاطية، وليست مقرمشة، ومع القليل من الاحمرار، من حيث المذاق، لتصبح مثل البيتزا الإيطالية ذات الطعم الأومامي.
منظمة فيراتشي للبيتزا في نابولي، التي تأسست من قبل العائلات الأكثر شهرة في صناعة البيتزا في نابولي عام 1984 والبالغ عددها 17 أسرة، أكثر صرامة.
يقول أنتونيو باتشي، رئيس المنظمة، وهو يلخص الوثيقة، التي تقدم تفاصيل حول المواصفات المطلوبة لكي تصبح البيتزا معتمدة من قبل المنظمة: "يجب أن تكون البيتزا دائرية الشكل، وحيث أقصى قطر يمكن أن تصل إليه هو 35 سم، وقشرة يراوح سمكها بين سنتمتر إلى سنتمترين، منتفخة وذهبية اللون وفيها القليل من الفقاعات والحروق.
أما الجزء الأوسط فيجب أن تصل سماكته إلى ثلاثة ملم كحد أقصى وعند رفع جزء من البيتزا، يجب أن يبدو القاع ذهبي اللون من دون وجود حروق واضحة". وصل طول الوثيقة إلى 27 صفحة.
بالنسبة لسكان نابولي الأشداء، لا تكون البيتزا حقيقية ما لم تتوافق مع تلك المواصفات. يقول مؤرخ الغذاء أنطونيو ماتوزي، مؤلف كتاب: (اختراع البيتزا): "الأنواع الرومانية والصقلية وغيرها من الإصدارات الأخرى للبيتزا، ليست بيتزا حقيقية بل هي أنواع من العجائن.
البيتزا الوحيدة ذات الإرث الثقافي والتقليدي الخاص بها هي البيتزا التي تصنع في نابولي". في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، قامت "اليونسكو" بترقية صناعة البيتزا في نابولي إلى مرتبة "الإرث الثقافي غير المادي".
يعود عموما تاريخ أول استخدام لكلمة بيتزا إلى عام 997 بعد الميلاد في جايتا، شمال غربي نابولي، لكن ماتوزي يقول إن هذا ربما يكون نطقا غير سليم لكلمة "بيتا" البيزنطية اليونانية، (التي أصبح معناها الخبز العربي).
ويمكن أن تعني مسطحا بالإيطالية، وكلمة "تشي بيتزا" تدل على إهانة خفيفة.
كما يقول ماتوزي إنه في نابولي فحسب يمكن أن تكون قد ولدت صناعة البيتزا. ويخصص ما لا يقل عن تسع صفحات من كتابه ليتحدث عن المناطق الفريدة من نوعها والمحيطة بالمدينة، التي تحفها التربة الخصبة لجبل فيزوف المجاور، ومصانع ديري هيلز التي تنتج الموزاريلا، والسياق الاجتماعي الاقتصادي.
كميناء يتحرك ببطء، ينحصر بين الجبال والبحر، حظيت نابولي بتدفق حضري في القرن السادس عشر، جعل منها المدينة الثانية الأكثر اكتظاظا في أوروبا بعد باريس. الشقق صغيرة الحجم موزعة بانتظام داخل مبان غير متوازنة مكونة من ستة أو سبعة طوابق، غالبا ما تفتقر إلى وجود مطبخ.
وبسبب سعيهم وراء التجارة، تحول الباعة المتجولون العاطلون عن العمل إلى تناول الطعام في الشوارع.
كمركز تجاري رئيس، كانت نابولي مهمة جدا بالنسبة لتوريد الطماطم إلى أوروبا. والبيتزا – بشكلها المعروف الآن بوجود القاعدة والطماطم والجبن – كان من السهل صنعها وكان بيعها سهلا.
وفي حين أن البيتزا الرومانية تمتاز بأنها ذات قاعدة رقيقة جدا وهشة، من المرجح أكثر أن تكون مغطاة باللحم، وكان الهدف أن تحاكي البيتزا النابولية المنتفخة ذلك الشعور بالامتلاء الذي تمنحه اللحوم، التي لا يستطيع عمال الميناء شراءها.
البيتزا الآن واحدة من الأطعمة التي تؤكل على أوسع نطاق في العالم. يقدر ماتوزي أن لدى إيطاليا أكثر من 50 ألف محل لبيع البيتزا. وفقا لوكالة يورو مونيتور، بلغت قيمة صناعة البيتزا في العالم 134 مليار دولار عام 2017.
في روما، يتم إثراء المكونات الأربعة التقشفية المستخدمة في صناعة العجين النابولي، من خلال إضافة زيت الزيتون لجعل حواف العجينة أو القشرة إسفنجية القوام بشكل أكبر.
يقوم صناع البيتزا في آبروزو بصناعة بيتزا دي فريجولي، التي يجري خلط عجينتها مع الشحم. في صقلية، حيث غالبا ما يفضل طهي البيتزا "على طريقة جدتي"، تكون قاعدة البيتزا أكثر سمكا وأكثر توازنا وأقل جاذبية، وكأنها أنواع خبز مع إضافات على السطح. ومن ثم جاءت إلى أمريكا.

بيتزا أمريكا.. غير
تتناول أنابيل ويلر البيتزا يوميا. وقد افتقدت هي وزوجها مايكل، متداول سندات، بيتزا نيويورك كثيرا عندما انتقلا للعيش في لندن، إلى درجة أنهما قاما عام 2015 بافتتاح مطعم نيويورك فولد، وهو مطعم يقع وسط لندن ويتخصص في تقديم "فطيرة البيتزا" ذات الطراز النيويوركي. وافتتحا فرعا ثانيا شرقي لندن في أيار (مايو) الماضي.
في إيطاليا، تكون المكونات العلوية غير متناسقة مع القاعدة – قال أحد الطهاة الإيطاليين للأخوين إليوت إن وضع المكونات العلوية على البيتزا هو في الأساس "إضافة نكهة للخبز".
في الولايات المتحدة، القاعدة هي طبق صالح للأكل. تقول ويلر: "تتسم بقوام سميك يشبه الخبز"، وهي تضع نصف قطعة بيتزا قطرها نصف متر على أطباق ورقية.
"هنالك مكونات أكثر مما هي موجودة في البيتزا النابولية، وبسبب ذلك، يمكنك الحصول على طبقات أكثر".
هي لا تكذب، فكل قطعة تعادل في سمكها أربعة أضعاف سمك الشريحة من البيتزا النابولية، وتكون محشوة بالجبن بكثافة. على الرغم من ذلك، فإن المكونات الأساسية متشابهة (إضافة إلى زيت الزيتون، كما في روما، والسكر في بعض الأحيان) وطريقة الصنع هي علمية بالقدر نفسه.
العجينة تحتاج إلى تخمير إضافي – بالطراز النابولي – وهي عملية تتضمن انتفاخ العجين مرتين خلال فترة 48 ساعة. كلما زاد انتفاخ الخميرة، تحتاج المعدة لبذل جهد أقل أثناء عملية الهضم.
كما أنه يجري أيضا ضبط العجين وفقا للرطوبة والماء المضاف. يدعي سكان نيويورك أن مياه المدينة العسرة والغنية بالمعادن، هي ما يمنح بيتزا نيويورك القرمشة التي تتسم بها.
تعزو ويلر تلك القساوة؛ حيث تكون أشبه بالخبز الفرنسي منها بالخبز العربي، إلى وجود فرن بيكرز برايد الذي يعمل بالغاز، والذي استورداه من الولايات المتحدة.
تُخبَز كل شريحة حتى تصبح جاهزة بنسبة 80 في المائة. أما الـ20 في المائة المتبقية فيتم الانتهاء منها عندما يجري طلب الشريحة.
ومن ثم الزبون، إن كان نيويوركيا حقيقيا، فسيحصل على الشريحة مقدمة له على طبق ورقي أبيض رقيق، وسيقوم بقطعها إلى أجزاء مربعة ويلتهمها بسرعة.
وتقول: "عليك أن تكون قادرا على تناولها وأنت تمشي؛ لأنه في نيويورك دائما ما تكون في عجلة من أمرك للوصول إلى مكان ما".
هذا نوع من البيتزا أعد ليؤكل على عجل، خلافا لبيتزا الطبق العميق، التي اخترعت عام 1943 على يد آيك سيويل، صانع البيتزا المغامر في شيكاغو.
مع ذلك، تقول ويلر إن موضوع النقاش في منطقة "إيطاليا الصغيرة" في نيويورك، هو أنها تصنع مع دقيق السميد وتطهى مثل التورتة في وعاء الفطيرة. ثمة اختلاف آخر وهو القاعدة المحشوة، التي صنعت أول مرة عام 1995 من قبل سلسلة مطاعم بيتزا هات، مع حملة إعلانية بلغت كلفتها 45 مليون دولار وقادها يومذاك الرئيس الحالي دونالد ترمب.
خلال السنوات القليلة الماضية، قامت مجموعة من صناع البيتزا في نابولي باختراع قاعدة خاصة بهم وذات حجم كبير. يقول ماتوزي: "هي تدعى بيتزا كانوتو، وهذا يعني "بيتزا الزورق". على أنها مجرد طريقة لإبرازها إلى الأنظار في عصر وسائل التواصل الاجتماعي".
يستشهد محلل السوق بيتر ليندين بوسائل التواصل الاجتماعي كأحد العوامل التي تؤدي إلى تزايد "ثقافة طعام" أكثر تخصصا، جنبا إلى جنب مع التعددية الثقافية، والسفر بأسعار معقولة وقضاء الأجيال الشابة وقتا أكبر في تناول الطعام. ويقول: "العلامات التجارية التي تحقق النجاح في السوق الحالية إما أنها تحظى بقصة تتعلق بمنتجاتها، وإما أنها أكثر جرأة، وإما لديها تركيز أكثر تخصصا".
ارتفع عدد مطاعم البيتزا التي تسعى للحصول على الاعتمادية من منظمة فيراتشي للبيتزا عام 2017 ليصل إلى ضعف عددها قبل خمس سنوات. وكثير منها موجود في لندن.
يقول إيمانويل تاليارينا، الذي افتتح مطعم فارينا لبيع البيتزا في نوتينج هيل العام الماضي: "فرصة نمو مطعم البيتزا في لندن غير متاحة في أي مدينة أخرى في أوروبا".
لقد كان واحدا من أوائل الطهاة الذين يعملون لدى فرانكو مانكا، مطعم البيتزا الذي تأسس عام 2008 ويتخصص في العجائن المختمرة، ولديه الآن أكثر من 40 فرعا.
يقول جيمس إليوت، وهو يلوح بقطعة بيتزا جالسا على رصيف سوهو في الخارج: "تنبه الناس إلى الأصالة.
قبل ست سنوات، كان هنالك ثلاثة أو أربعة مطاعم مستقلة لبيع البيتزا في لندن. الآن، هنالك ثلاثة أو أربعة في هذا العدد القليل من الشوارع".
كما يذكر أن هناك مدينة أخرى مكتظة بمطاعم البيتزا بشكل يبعث على الاستغراب، وهي طوكيو–فاليابان هي ثالث أكبر مستهلك للبيتزا بعد إيطاليا والولايات المتحدة.
بصفة عامة، الهوس الذي يبديه صناع البيتزا تجاه العجائن التي يصنعونها أشبه بالولع لدى طهاة السوشي، وهو شيء يطلق عليه اليابانيون كلمة شوكونين؛ أي إتقان الحرفة. يقول إليوت: "أي شخص يستطيع تقطيع السمك وطهو الأرز، لكن، مثل قاعدة البيتزا، هنالك مليون طريقة مختلفة للمذاق".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES