FINANCIAL TIMES

مشروع «القرن الصيني» يحرّك مخاوف الديون الخارجية

مشروع «القرن الصيني» يحرّك مخاوف الديون الخارجية

كان تشي جين بينج الرئيس الصيني، قد وصف المخطط بأنه "مشروع القرن"، وقال إنه سيطلق "عصرًا ذهبيًا" للعولمة.
في ظل مشاريع تدعمها بكين في 78 بلدا، فإن "مبادرة الحزام والطريق" هي واحدة من أكثر برامج التنمية طموحا في العالم، لكن المنتقدين يخشون من أن تصبح المبادرة هي القناة التي يتم من خلالها نقل بعض مشكلات ديون الصين إلى الخارج.
سلسلة من الجدل اندلعت في بلدان بعيدة مثل باكستان وسريلانكا ولاوس وماليزيا والجبل الأسود وغيرها، ترتبط جميعا باستدامة الديون – إما بسبب عدم قدرة البلدان على التعامل مع الديون المتضخمة للصين؛ أو لأن بعض مشاريع البنية التحتية التي تمولها بكين، لا يبدو أن من المرجح أن تبرر سعرها.
قال أندرو دافنبورت، كبير الإداريين التشغيليين التنفيذي في مجموعة آر دبليو آر RWR الاستشارية، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن: "الانفصال بين الجدارة الائتمانية لمشروع ما أو بلد ما وحجم القروض التي تقدمها الصين أدى إلى تأخير في المشاريع، واضطراب سياسي وادعاءات متعلقة بارتكاب مخالفات في إجراءات منح العقود".
بعض حالات عدم التطابق موجودة في بنية تصميم المبادرة. وتظهر دراسة أجرتها "فاينانشيال تايمز"، أن البلدان الـ 78 التي اختارتها الصين للمشاركة تشتمل على كثير من الاقتصادات الأكثر خطورة في العالم، وذلك وفقاً لتصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) للمخاطر القطرية.
استنادا إلى مقياس يمثل الرقم سبعة فيه أعلى مستوى من المخاطر القطرية، تظهر بلدان مبادرة الحزام والطريق متوسط 5.2 نقطة، وهو أسوأ بكثير من متوسط 3.5 للأسواق الناشئة، وفقا لدراسة صحيفة فاينانشيال تايمز.
تم التوصل إلى نتيجة مماثلة من قبل وكالة التصنيف الائتماني موديز، التي تقول إن متوسط التصنيف الائتماني للبلدان الـ78 هو بي أيه 2 Ba2 - ما يدل على مستوى غير استثماري أو مستوى "خطر" من حيث مخاطر الإعسار.
تقدم باكستان، التي تبلغ سبع درجات على مقياس خطر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مثالا ملحا على الإجهاد في مبادرة الحزام والطريق. أكدت إسلام أباد هذا الشهر، أنها تفكر في طلب مساعدة صندوق النقد الدولي لإنقاذها، بعد أن أسهمت فاتورة الاستيراد الضخمة للسلع الرأسمالية الصينية، والتزاماتها بسداد الديون في إحداث نقص حرج في احتياطياتها من العملة الأجنبية.
يقول أليكس هولمز، الاقتصادي المختص في منطقة آسيا في مؤسسة كابيتال إيكونوميكس: "(باكستان) على حافة أزمة في ميزان المدفوعات نتجت إلى حد كبير عن زيادة الواردات من السلع الرأسمالية، المرتبطة بسلسلة من مشاريع البنية التحتية الصينية الضخمة".
الجبل الأسود: "طريق سريع لا يذهب إلى أي مكان"
التكلفة: 809 ملايين يورو للمرحلة الأولى
خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لجمهورية الجبل الأسود بعد اقتراضها من الصين لتمويل المرحلة الأولى من هذا الطريق، التي يبلغ طولها 41 كم، والتي تكلف ما يعادل خُمس الناتج المحلي الإجمالي. تكثر الشكوك حول كيفية تمويل الـ136 كم المتبقية من الطريق.
في بداية حزيران (يونيو) الماضي، كان لدى البنك المركزي الباكستاني 10 مليارات دولار من العملات الأجنبية؛ أي أقل بكثير من 12.7 مليار دولار من عمليات السداد الخارجي المستحق في العام المقبل.
وعلى الرغم من الوضع المالي الهش لإسلام أباد، فإن بكين تدير أكبر برامج مبادرة الحزام والطريق في البلاد، لتمويل وبناء البنية التحتية التي تبلغ قيمتها 62 مليار دولار.
كمبوديا، وهي متلقية كبيرة أخرى لإقراض مبادرة الحزام والطريق، تبدو عليها أيضا علامات الإجهاد.
لقد أدى ارتفاع الواردات من السلع الرأسمالية لتوريد مشاريع البناء إلى زيادة العجز التجاري في "بنوم بنه" إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف هولمز أنه في حال تراجعت التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي، فإن البلاد يمكن أن تعاني لتمويل التزاماتها الخارجية.
كما واجهت عدة بلدان أخرى مشاكل مماثلة. اضطرت سريلانكا إلى تحويل ميناء هامبانتوتا الاستراتيجي إلى الملكية الصينية، بعد أن عجزت عن مواكبة تسديد ديونها للدائنين الصينيين.
وكانت وكالة موديز قد خفضت التصنيف الائتماني لجمهورية الجبل الأسود، بعد اقتراضها من الصين لتمويل المرحلة الأولى من طريق سريع تبلغ تكلفته 809 ملايين يورو، وهو مبلغ يعادل نحو خمس إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
في عام 2015، وقّعت لاوس على اتفاق تمويل خط سكة حديد ممول من الصين بتكلفة ستة مليارات دولار؛ أي ما يعادل نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ما استلزم استيراد الآلات التي أسهمت في عجز تجاري متفاقم.
تختلف صعوبات مبادرة الحزام والطريق في ماليزيا. لا تواجه كوالالمبور مشاكل في ميزان المدفوعات، لكن مهاتير محمد رئيس وزرائها الجديد أوقف نحو 23 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية المدعومة من الصين، بينما تقوم حكومته باستعراض "المعاهدات غير المتكافئة".

لاوس قطار فائق السرعة
التكلفة: 6 مليارات دولار
تقوم مجموعة السكك الحديدية الصينية ببناء هذا الخط الفائق السرعة مع عشرات الأنفاق ونحو 170 جسرا في لاوس. وتبلغ التكلفة نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد الواقع في جنوب شرقي آسيا.
وقد توصلت دراسة أجرتها وكالة آر دبليو آر RWR الاستشارية إلى أن الجدل الدائر حول الديون، وكذلك المعارضة العامة للمشاريع والاعتراضات على سياسات العمالة الصينية، وتأخير الأداء والمخاوف بشأن الأمن القومي، أدى إلى زيادة نسبة مشاريع مبادرة الحزام والطريق "المعتلة" إلى نحو 270 من إجمالي 1814 مشروعا تم تنفيذها منذ عام 2013.
وتمثل هذه المشاريع نحو 32 في المائة من القيمة الإجمالية للمشاريع.
مشاكل الديون موجودة أيضا على مستوى الشركات، ويرجع ذلك إلى أن الشركات الصينية الكبيرة المملوكة للدولة التي تبني وتدير وتستثمر في كثير من مشاريع مبادرة الحزام والطريق هي - في المتوسط - مرتفعة الاستدانة للغاية.
وتظهر دراسة أجرتها صحيفة فاينانشيال تايمز، أن أكبر 10 شركات صينية تعمل في مقاولات الإنشاءات والهندسة، تعمل بنشاط خارج الصين، وهي أعلى استدانة بنحو أربع مرات من أكبر 10 شركات غير صينية.
تشير البيانات إلى أنه من حيث إجمالي الدين إلى "الأرباح قبل الفائدة والضرائب والاستهلاك والإطفاء"، وهو مقياس شائع لقدرة الشركة على سداد ديونها، كان لدى أكبر 10 شركات مقاولات صينية مضاعفات متوسطة بلغت 9.2 مرة، ما يدل على مديونية عالية. كان لدى نظرائهم غير الصينيين مضاعفات متوسطها 2.4 مرة.
قال مسؤول صيني كبير طلب عدم نشر اسمه: "الشركات الكبيرة المملوكة للدولة يديرها سياسيون من الحزب الشيوعي. وهم يكافأون على الولاء السياسي ،وتحفزهم الرغبة في إرضاء رؤسائهم الحزبيين، من خلال المشاركة في مشاريع مبادرة الحزام والطريق الكبيرة. كل ما في الأمر أن الديون ليست مصدر قلق كبيرا بالنسبة إليهم".
في بعض الحالات، يكون المستثمرون الصينيون من "فرسان الشهامة" أكثر مديونية بكثير من الشركات التي "ينقذونها". كانت شركة كوسكو للشحن القابضة، الشركة الأم لشركة تشاينا كوسكو للشحن، التي اشترت حصة مسيطرة في أكبر ميناء في اليونان عام 2016، أكثر استدانة بستة أضعاف من سلطة ميناء بيرايوس التي اشترتها.
أثبت استثمار بيرايوس نجاحه، ما أدى إلى استجلاب أعمال جديدة إلى الميناء اليوناني. ومع ذلك، عدم تطابق الديون (مواعيد الاستحقاق) يدل على أن الشركات الصينية، خاصة الشركات الـ98 الضخمة التي تملكها شركة ساساك SASAC، وهي شركة قابضة حكومية مركزية، تلعب بحسب قواعد مختلفة. فحيث إن هذه الشركات مملوكة بشكل مركزي من قبل حكومة الصين، فإنها يمكن أن تكوم ديوناً ضخمة دون خوف من الإفلاس.
هذا بدأ بالتغير – وبطرق قد تؤثر في استثمارات مبادرة الحزام والطريق. في أيار (مايو) من هذا العام، أمرت بكين شركات ساساك SASAC بخفض نسب الديون إلى الأصول بحلول عام 2020. وقال محللون إن هذا من المرجح أن يستلزم تركيزًا أكبر على جودة المشروعات الاستثمارية في الخارج.
وقال جيني يان كبير الاقتصاديين الصينيين في "آي سي بي سي ستاندرد بنك": "في الوقت الذي تعمّق فيه الصين حملتها للتخفيض التدريجي للاستدانة محلياً، سيتحول تركيز السياسة نحو جودة الرافعة المالية بدلاً من الكمية. وهذا يعني أن القدرة على تحمل الديون سيتم تمحيصها بشكل متزايد، خاصة في البلدان عالية المخاطر على طول الحزام والطريق".
وقال المسؤول الكبير إن بعض صفقات الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق التي تعتبر محفوفة بالمخاطر قد لا يمكن تفكيكها، في حين أن وتيرة الاستثمارات الجديدة قد تتراجع.
وأضاف: "كانت هناك إعادة تقييم لمبادرة الحزام والطريق في بكين. نحتاج إلى أن نضمن حماية سمعة مبادرة الحزام والطريق، من خلال التأكد من أن مشاريع هذه المبادرة ذات جودة عالية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES