FINANCIAL TIMES

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

مناجم منغوليا «المنسية» .. هل تفجر ثورة طاقة خضراء بالنحاس؟

بعد نزول استمر أربع دقائق في مصعد مظلم بمستويين، تصل آخر نوبة للعمال إلى أكبر مشروع إنشاءات على الإطلاق في منغوليا – وهو منجم ضخم يسمى أويو تولجوي على عمق 1.3 كيلومتر تحت صحراء جوبي.
على طول أحد الأنفاق، تتجه الحافلة الصغيرة ببطء إلى كهف ضخم. هذا، كما يشرح مهندس أسترالي شاب، سيكون مقر واحدة من أكبر قطع المعدات في المنجم – وهي كسارة وزنها 300 طن، ستسحق الصخور التي تحمل النحاس من كتلة للخام إلى حجم يماثل وسط مانهاتن.
هذه الآلة، القادرة على معالجة 4000 طن من الصخور الحاملة للنحاس في الساعة، هي جزء أساس من مشروع توسعة تبلغ تكاليفه نحو سبعة مليارات دولار، الذي سيجعل منجم أويو تولجوي ثالث أكبر مصدر للنحاس في العالم بحلول عام 2027، بإنتاجه أكثر من نصف مليون طن في السنة.
الانتهاء من مشروع أويو تولجوي، سيساعد على توفير معدن سيزداد الطلب عليه مع تجذر ثورة الطاقة الخضراء، وسيصبح أيضا دعامة أساسية للاقتصاد المنغولي، الذي كان يتنقل بين الطفرة والانهيار منذ نهاية نظام الدول التي تدور في فلك الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات.
تطوير منجم أويو تولجوي، الذي تسيطر عليه وتديره المجموعة الأنجلو-أسترالية ريو تينتو، يقدم نظرة فريدة على صناعة التعدين الحديثة، وسعيها لإيجاد المواد الخام التي ستجعل التحول إلى الطاقة المتجددة ممكنا.
بعد أن نجحت في استغلال معظم أنواع النحاس سهلة التعدين في العالم، أصبحت شركات مثل ريو تينتو مجبرة الآن على تنفيذ مشاريع معقدة في بلدان مثل منغوليا، حيث تعد الملكية الأجنبية واستغلال الموارد الطبيعية قضايا شديدة الحساسية.
يقول دورجداري نامخيجانتسان، المستشار السابق لحكومة منغوليا والمدير القطري الآن لمعهد إدارة الموارد الطبيعية: "هناك كثير من التوقعات حول هذا المشروع. محاولة إدارتها هي كابوس".
ويضيف: "السياسة المنغولية أيضا مضطربة، حيث تتغير الحكومات كثيرا... ومن الواضح أن منجم أويو تولجوي موضوع من السهل للغاية من حيث محاولة الفوز بالأصوات من الناس". عرفت منغوليا سبعة رؤساء للوزارة منذ عام 2007.
في الوقت الذي ينتقل فيه العالم إلى مصادر طاقة أنظف، وهو اتجاه يعرف باسم تقليص الكربون، سيصبح النحاس سلعة متزايدة الأهمية.
وفي حين تهيمن السيارات الكهربائية على معظم المحادثات حول الطلب على المعادن والموارد المعدنية، إلا أن الطاقة المتجددة هي أكثر ملاءمة بالنسبة للنحاس، وذلك وفقا لكولين هاملتون، رئيس أبحاث السلع في شركة بي إم أو كابيتال ماركتس BMO Capital Markets في لندن.
ويضيف: "ستكون الطاقة المتجددة هي المحرك الأكبر لنمو الطلب على النحاس في العقود المقبلة، بسبب الحاجة إلى ربط عدد كبير من وحدات توليد الكهرباء صغيرة الحجم بالشبكات".
أي توربين رياح قادر على توليد طاقة بقوة 1 ميجاواط – يكفي لتزويد 500 منزل– يتطلب أكثر من ثلاثة أطنان من النحاس، وفقا لشركة ريو. تكمن المشكلة بالنسبة لشركة ريو وأقرانها في أن معظم النحاس الذي يسهل الوصول إليه في الولايات القضائية الجذابة، مثل تشيلي، قد تم استغلالها من قبل.
ما تبقى هو إما درجة أقل أو يتطلب مزيدا من التحديات لاستخراجه من الناحية الفنية في أجزاء من العالم، حيث ينتشر الفساد أو يصعب التعامل مع الوضع السياسي.
نتيجة لذلك، جفت موارد مشاريع النحاس بالكامل، وهناك مخاوف من أن العالم سيتجه نحو أزمة إمدادات إذا لم يتم تشغيل مناجم جديدة في وقت قريب.
وتقدر شركة ريو أن هناك حاجة إلى ثمانية مناجم جديدة بحجم أويو تولجوي خلال عقد من الزمن لملء فجوة إمداد النحاس تقدر بنحو خمسة ملايين طن سنويا.
ملكية واستغلال الموارد المعدنية من قبل الشركات الأجنبية هي قضية حساسة من الناحية السياسية في كثير من البلدان النامية، لكنها حادة بشكل خاص في منغوليا بسبب أهميتها في اقتصادها البالغ حجمه 11 مليار دولار.
المنجم الموجود تحت الأرض يمكن أن يسهم بنسبة 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد بحلول الوقت الذي يبلغ فيه ذروة الإنتاج في عام 2027.
في العام الماضي، حصلت أولان باتور عاصمة البلاد، التي تعاني الإبقاء على شؤونها المالية تحت السيطرة، على قرض الإنقاذ السادس من صندوق النقد الدولي منذ عام 1990، وفي المقابل قبلت تنفيذ مجموعة من إصلاحات الموازنة وإجراءات التقشف.
في حين أن النمو انتعش بفضل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والطلب الصيني على الفحم، إلا أن الحكومة لا تزال بحاجة ماسة إلى السيولة لتمويل التزاماتها الخاصة بالإنفاق.
قال جان سيباستيان جاك، الرئيس التنفيذي في شركة ريو، الشهر الماضي: "من مصلحة الجميع أن تطلَق قيمة هذه الودائع ذات الطراز العالمي التي ستنتج النحاس والذهب خلال السنوات الـ100 المقبلة".
لم يكن الوصول إلى الوضع الحالي في منجم أويو تولجوي سهلا. استغرق الأمر ست سنوات من المفاوضات الصعبة قبل أن توقع شركة ريو ومنغوليا في عام 2009 أول اتفاق استثماري بينهما، الذي حدد مشاركة الدولة في المرحلة الأولى من المشروع – حفرة مفتوحة بقيمة 6.5 مليار دولار كانت في مرحلة الإنتاج منذ 2013 – ووضع الضرائب ومعدلات الريع.
ثم توقفت شركة ريو عن العمل في المشروع تحت الأرض في عام 2013 بعد سلسلة من الخلافات مع الحكومة حول التكاليف والضرائب والتحكم في الأصول الاستراتيجية.
استؤنف الحفر في عام 2016 بعد أن وقع الجانبان خطة للتنمية والتمويل. وهذا ما جعل شركة ريو تجمع ما مجموعه 4.4 مليار دولار من مجموعة من المصارف الدولية ومصارف التصدير والاستيراد في أستراليا وكندا والولايات المتحدة.
على أن العوامل السياسية ظلت صعبة وشهد عام 2018 توترات جديدة في علاقة شركة ريو بالدولة.
يقول نامخيجانتسان: "لا توجد مناقشة بناءة حقيقية حول التعدين في منغوليا. هذا لا يحدث. هذه واحدة من المشاكل الكبيرة في الوقت الراهن".
المنجم في أويو تولجوي، الذي يعني تلة الفيروز في اللغة الإنجليزية، مملوك بنسبة 34 في المائة لدولة منغوليا و66 في المائة لشركة توركواز هيل، وهي شركة كندية مدرجة في البورصة، التي تسيطر شركة ريو بدورها على 51 في المائة منها.
تتجه شركة توركواز هيل والحكومة نحو التحكيم الدولي بشأن فاتورة ضريبية متنازع عليها بقيمة 155 مليون دولار، في حين تم إنشاء مجموعة عمل برلمانية "لمراجعة تنفيذ" اتفاقية الاستثمار.
ومن المتوقع أن تصدر المجموعة تقريرها في وقت لاحق من هذا العام، ويمكن للنتائج التي تتوصل إليها أن تعطي الدولة النفوذ للضغط من أجل تحقيق عوائد أعلى من المشروع.
كما كانت اتفاقات الاستثمار موضوع تحقيق أجرته سلطة منغوليا لمكافحة الفساد. وفي حين أن موضوع التحقيق يركز على إساءة استخدام السلطة من قبل مسؤولين حكوميين سابقين– تم القبض على اثنين من رؤساء الوزراء السابقين في نيسان (أبريل) الماضي – إلا أن هذه الخطوة أزعجت مستثمري شركة ريو.
يقول مايلز أولوب، المحلل من بنك يو بي إس: "منغوليا هي دائما مكان متقلب بالنسبة لشركة ريو. هذا يبدو كما لو أنه سيستمر".
كما طُلِب من شركة ريو أنه لا بد لها أن تؤمِّن الكهرباء لمشروع أويو تولجوي محليا. احتياجات المشروع من الطاقة ضخمة، حيث إنها تعادل نحو 25 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية لمنغوليا.
ويبدو الآن من المرجح أن تضطر شركة ريو إلى بناء محطة خاصة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم. يقول أولسوب: "هذا مبلغ قيمته مليار دولار من النفقات الرأسمالية لم يكن في الميزانية الأصلية".
كثير من التوتر بين شركة ريو والحكومة هو دلالة على الطريقة التي تم بها تمويل منجم أوي تولجوي.
في وقت سابق من هذا العام، أصدرت "سومو" SOMO، وهي مجموعة أبحاث هولندية معنية بالشركات متعددة الجنسيات، تقريرا مؤلفا من 50 صفحة، يدعى أن شركتي ريو وتوركواز تمكنتا من خفض التزاماتهما الضريبية المنغولية بمبلغ 232 مليون دولار، باستخدام شركات وهمية في هولندا ولوكسمبورج لتمويل تطوير منجم أوي تولجوي.
رفضت شركة ريو هذه الادعاءات، قائلة إن الهيكل لم ينتج عنه أي تخفيض في إيرادات الضرائب المنغولية وأن منجم أويو تولجوي يقدم مساهمة لا يستهان بها في الاقتصاد المحلي وتنمية البلد. وتقول الشركة إن منجم أويو تولجوي سيدفع أكثر من 35 مليار دولار كضرائب وريع على مدى فترة المشروع.
وقال أحد مستثمري التعدين الكبار: "هذه واحدة من أفضل اتفاقيتين أو ثلاث لتقاسم المخاطر التي شهدناها في أي مكان. وهي مفيدة حقا للشعب المنغولي، كما ينبغي أن يكون. إنه مشروع رائع. إنه مهم للغاية لاقتصادهم".
يقول الخبراء إن التمويل الشامل لمنجم أويو تولجوي يتطلب تفسيرا دقيقا للجمهور والسياسيين. يقول جوليان ديركيس، وهو خبير في المجتمع المدني المنغولي في جامعة كولومبيا البريطانية: "كثير من المنغوليين، وهذا يشمل السياسيين، ليسوا مقتنعين تماما بأن الصفقة التي لديهم حول منجم أويو تولجوي صفقة جيدة".
دفعت شركة ريو تكاليف بناء منجم أويو تولجوي من خلال الأسهم وقروض المساهمين. كما مولت حصة الدولة المنغولية من تكاليف التطوير. عندما يبدأ منجم أويو تولجوي في توليد أرباح سنوية، تعد الحكومة باستخدام حصتها من الأرباح لتسديد الأموال التي اقترضتها. بمجرد سداد هذه الديون، يمكن للدولة البدء في الحصول على الأرباح.
هذا الترتيب، المعروف باسم الفائدة المحملة، يعني أن منغوليا لم تضطر إلى دفع قرش واحد لتمويل حصتها من تكاليف التطوير. الجانب السلبي هو أنها لن تحصل على أي أرباح حتى عام 2030 على الأقل، وهذا في حال بقي سعر النحاس قويا.
يقول دامدينام جونجور، وهو باحث منغولي مستقل: "حصة بنسبة 34 في المائة هي كلام فارغ. لماذا تحتاج منغوليا للأسهم؟ يجدر بالحكومة تغيير شيء واحد– الحصة. يجب إعادتها وزيادة الريع والضرائب".
يقول أرنو سوارا، رئيس أعمال النحاس والماس في شركة ريو، إن المساهم الوحيد الذي كسب أي شيء من منجم أويو تولجوي هو الدولة المنغولية، التي تلقت حتى الآن 1.9 مليار دولار من الضرائب والرسوم والريع منذ أن بدأت العمل على الحفرة المفتوحة في عام 2010.
ويشير إلى أن الدولة ستحصل على مليارات أخرى بحلول الوقت الذي يكون فيه المنجم تحت الأرض بكامل طاقته في عام 2027.
ويضيف: "نحن نوظف أكثر من 14 ألف شخص، 90 في المائة منهم من السكان المحليين. وإذا حسبتَ المقاولين والموردين، فهذا يعني 40 ألف شخص آخر. هذا تأثير إيجابي ضخم للبلاد".
المحللون حذرون. منجم أويو تولجوي هو واحد من أهم مشاريع النمو بالنسبة إلى شركة ريو ومصدر أساس لتوليد النقدية بدءا من عام 2027 وما بعده.
ويقولون إن الخطر الكبير على شركة ريو وجاك هو أن العلاقة مع الحكومة المنغولية لا تتحسن، وأن الدولة تتطلع إلى تغيير شروط اتفاقية الاستثمار بمجرد اكتمال المشروع. حتى الآن، استثمرت شركة ريو 7.8 مليار دولار وتتطلع إلى إنفاق خمسة مليارات دولار أخرى.
مثل هذه المناورات ليست بلا سابقة. بعد وقت قصير من إنهاء برنامج استثماري كبير لمشروع نحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعرضت شركة جلينكور، وهي شركة تعدين وتجارة السلع مقرها سويسرا، لدعوى قضائية من شركة التعدين الحكومية. وقد تم تسويتها بعد موافقة جلينكور على شطب 5.6 مليار دولار من الديون ودفع مبلغ 150 مليون دولار.
وسيكون هذا تكتيكا عالي الخطورة بالنسبة لمنغوليا بسبب الرسالة التي سترسلها إلى المستثمرين الخارجيين الذين تحتاج مساعدتهم إلى تطوير ما يقدر بحدود تريليون دولار من الثروة المعدنية غير المستغلة.
يقول سوارا: "أنظار العالم الآن هي على منجم أويو تولجوي. الناس ينظرون الآن إلى منجم أويو تولجوي ويتساءلون عما إذا كانت ناجحة وما إذا كانت منغوليا مكانا جيدا للأعمال والاستثمار".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES