default Author

البطالة ليست بالضرورة مضرة بالصحة

|
السياسات الحكومية المناسبة بإمكانها الحد من المخاطر الصحية والخسائر في الأرواح المصاحبة لفقدان العمل. من الناحية النظرية، قد تكون البطالة عن العمل فترة طويلة مضرة بصحتك. إن فقدان العمل لا يؤثر في صحتك من خلال الصدمة الناجمة عن فقدان مصدر دخلك فحسب، بل أيضا من خلال سبل غير مالية، مثل الأثر السلبي على ثقتك بنفسك. قبل فترة طويلة، تم اكتشاف أدلة تربط البطالة بتدهور الأوضاع الصحية، ففي عام 1933، قامت مجموعة من المختصين في علم الاجتماع بدراسة قرية في النمسا، يسكن بها 1500 شخص فقدوا وظائفهم منذ ثلاثة أعوام نتيجة إغلاق المصنع، الذي كانوا يعملون فيه، ووجد الباحثون أن نحو 85 في المائة من سكان القرية كانوا قد فقدوا الأمل أو محطمين في الداخل، "كانوا غير آبهين بالمستقبل والحاضر". كما عانى أطفالهم مشاكل صحية أيضا؛ حيث صنف العاملون في مختلف المجالات الطبية، أن ثلث الأطفال يعاني أمراضا جسدية. ولحسن الحظ، نفذ عديد من البلدان المتقدمة منذ الكساد الأعظم، عدة سياسات مختلفة، أبرزها التأمين ضد البطالة للتخفيف من العبء المالي الناجم عن فقدان العمل. ومع ذلك، وجدت دراسة طويلة الأمد في الولايات المتحدة، قام بها دانيال سوليفان، الباحث في بنك شيكاغو الاحتياطي الفيدرالي، وتيل فون واشتر، وهو اقتصادي من جامعة كولومبيا، أن معدلات الوفاة بين كبار السن من موظفي ولاية بنسلفانيا الأمريكية الذين فقدوا وظائفهم نتيجة كساد عام 1982، كانت خلال العام التالي للكساد، أعلى مما كان متوقعا بنسب راوحت بين 50 و100 في المائة. حتى بعد مرور 20 عاما، كانت معدلات الوفاة بينهم أعلى من المتوسط بنسب راوحت بين 10 و15 في المائة. الأثر الاقتصادي والصحي لإغلاق أماكن العمل كانت بعض الدول قد اتخذت احترازات أكثر فاعلية ضد الصدمة الناجمة عن فقدان العمل. وبالنظر إلى الدنمارك، قمت بإجراء دراسة لتقييم إن كان لفقدان الوظيفة أثر سلبي في صحة العاطلين عن العمل، بما في ذلك صحتهم النفسية وحالات التعاطي، في ظل وجود تأمين سخي ضد البطالة وتأمين صحي عالمي. وفي ورقة العمل التي أعددتها تحت عنوان: "الأثر العرضي لفقدان العمل في الصحة .. أعجوبة دنماركية"، قارنت المستوى الصحي لنحو 25 ألف عامل كانوا قد فقدوا وظائفهم بين الأعوام 2001 إلى 2006 نتيجة إغلاق أماكن عملهم، مع مجموعة تحكم من الأفراد الذين لا يواجهون تجربة إغلاق أماكن عملهم. كانت كلتا المجموعتين على مستوى متشابه صحيا خلال الأعوام الخمسة التي سبقت صدمة فقدان العمل. كما تأكدت من مطابقة المجموعتين من حيث نسبة الرجال مقارنة بالنساء، والفئة العمرية ذاتها، ومدة عملهم، وإجمالي الدخل، والمهنة، ونسبة المتزوجين، وموقع سكنهم، ومسيرتهم المهنية. يشار هنا إلى أن التأمين ضد البطالة في الدنمارك، يعوض 90 في المائة من الخسارة في الأجور، مع وجود سقف أعلى، كان يعادل تقريبا 626 دولارا أسبوعيا عام 2015. وخلال الفترة التي أجريت فيها الدراسة، كان العاطلون عن العمل يستحقون المعونات النقدية فترة تصل إلى أربعة أعوام، كما تلقوا العون في البحث عن الوظائف، والبرامج التدريبية، وغيرهما من سياسات سوق العمل النشطة. وإضافة إلى المزايا آنفة الذكر، ينعم الدنماركيون بتأمين صحي عالمي. ونظرا لوجود نظام ضريبي تدريجي في الدنمارك، واجه العاطلون عن العمل انخفاضا بسيطا بلغ 6 في المائة فقط من دخلهم السنوي السابق بعد احتساب الضرائب. وعلى الرغم من أن الآثار الاقتصادية للبطالة كانت ضئيلة، إلا أنها كانت طويلة الأمد، فبعد مضي خمسة أعوام على فقدانهم وظائفهم، كان معدل ترك الأفراد سوق العمل نهائيا - الضعف، كما أن إجمالي دخلهم من الأجور كان أقل 12 في المائة عن نظرائهم في مجموعة التحكم. وبالنسبة إلى الأوضاع الصحية، لم يكن هنالك فارق شاسع بين المجموعتين، فلم تكن نسبة الذين يشترون العقاقير المضادة للاكتئاب أعلى بكثير، وهو المعيار الذي اعتمدته لقياس مستوى الصحة النفسية. كما لم ألاحظ أن هناك فرقا يذكر في عدد زيارات المجموعة الأولى لمزودي خدمات الرعاية الصحية، كزيارات الطبيب العام على سبيل المثال. وفي الحقيقة، لم يكن هناك أي فارق يذكر في عدد الحالات الصحية الخطرة التي تطلبت الإدخال إلى المستشفيات، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، كما لم يكن هناك فارق ملحوظ في معدلات الوفاة لدى الموظفين العاطلين عن العمل. صناع السياسات قادرون على الحد من وطأة البطالة بالإمكان الحد من أثر البطالة على صحة الأفراد إلى حد كبير، من خلال إيجاد تأمين سخي ضد فقدان العمل، وسياسات سوق العمل النشطة، وتوفير التأمين الصحي العام. سواء كنت قد نظرت إلى حجم مشتريات العقاقير المضادة للاكتئاب لقياس مستوى الصحة النفسية، أو معدلات الوفاة، أو عدد الحالات الصحية الخطرة التي تستدعي الإدخال إلى المستشفيات، تبقى الحقيقة ثابتة، أن وجود شبكة أمان اجتماعية يحد من أثر البطالة في الصحة.
إنشرها