FINANCIAL TIMES

ادعاءات المستشارين والتهرب من المسؤولية

ادعاءات المستشارين والتهرب
من المسؤولية

من طبيعة البشر أن يتجنبوا المسؤولية عن القرارات الصعبة، خصوصا حين تكون حياتنا المهنية معتمدة عليها. المشكلة هي أنه حين لا يتحمل أحد المسؤولية، يمكن أن تكثر القرارات السيئة.
من وجهة نظري، هذه هي المشكلة الحرجة أمام الأسواق الرأسمالية اليوم. وهذا بدوره يجعلها مشكلة حرجة بالنسبة للرأسمالية التي تعتمد على الأسواق من أجل تخصيص المال بحكمة.
أشهر الأمثلة على هذه المشكلة هو القوة التي أعطيت عن غير قصد لوكالات التقييم الائتماني.
كانت المصارف تعلم أن مقدار رأس المال الذي يجب أن تحتفظ به على شكل حاجز وقاية ضد الصدمات يعتمد على التقييم الذي تعطيه وكالة التصنيف الائتماني لمستوى الائتمان الذي لديها.
والنتيجة هي أن شركات إدارة الأموال تركت كامل الحكم بشأن الجودة الائتمانية في أيدي الوكالات، وفي الوقت نفسه كانت تحاول الاحتيال على الوكالات لكي تمنحها تقييمات أعلى مما تستحقه الأوراق المالية الموجودة لديها.
بدرجة أقل، هناك مشكلة مماثلة مع شركات تزويد المؤشرات. القرار بشأن ما إذا كانت الأسهم الصينية من الفئة A (الأسهم الصينية المحلية المقومة بالرنمينبي) مناسبة لمؤسسات الاستثمار الغربية العامة عهد به إلى مجموعة مؤشرات مورجان ستانلي MSCI. شركات إدارة الأصول لم تقرر هذا الأمر بنفسها.
في الحالتين، تم تعزيز ميل الإنسان بالفطرة نحو التجمع (أو السير مع الجماعة). ومررت المسؤولية إلى مجموعة صغيرة من الناس. أية مجموعة تتخذ دور مساعدة المستثمرين على تجنب مسؤولية أفعالها تصبح بصورة آلية نقطة ضعيفة في النظام المالي.
كل هذا هو مقدمة لكي أبين السبب في شعوري بالقلق بشأن الدور الذي يمارسه عدد من أكثر الشركات التي تبدو رتيبة ومملة في النظام البيئي للسوق – مستشارو الاستثمار وشركات التأمين الاستشارية. أمناء صناديق التقاعد يمتلكون مجاميع كبيرة من الأصول، لكنهم في الأغلب شبه أميين من حيث المعرفة الاستثمارية ويحتاجون إلى مساعدة من المختصين. هناك حاجة إلى مستشاري الاستثمار.
الآن تبدأ المشاكل. عمليات الاندماج لم تبق إلا حفنة من الشركات الضخمة ليتم الاختيار بينها. دور المستشارين الآن ليس في تقديم النصح والمشورة بقدر ما هو عكازات للاتكاء عليها، أو دروع للاحتماء بها.
كان يقال ما من مستشار تم فصله من عمله لأنه اشترى أسهم "آي بي إم"، كذلك هذه الأيام لن يفصل مدير صندوق التقاعد لأنه تعاقد مع الشركة الاستشارية "ميرسر" (وهي من الأسماء الكبيرة الأخرى التي تهيمن على القطاع). كما أن الشركات الاستشارية الكبرى لديها الآن أقسام خاصة بها لإدارة الأصول، ما يؤدي بشكل واضح إلى نشوء خطر التضارب في المصالح.
كذلك يتبين الآن أن المشورة التي تقدمها الشركات الاستشارية ليست جيدة إلى درجة كبيرة، والأمر المهم للغاية هو أنها ليست جيدة بالقدر الذي تدعيه لها.
هذا الأسبوع قررت "سلطة المنافسة والأسواق" بصورة مؤقتة ألا تعمل الشركات الاستشارية على فصل أقسامها الخاصة بإدارة الأصول، في حين تطالب "سلطة السلوك المالي" بالمزيد من الصلاحيات للإشراف على الشركات الاستشارية.
في بحث أكاديمي، استخدم جوردون كوكسون، من سلطة السلوك المالي، وتيم جنكنسون وهوارد جونز، الأستاذان في جامعة أكسفورد، وهوزيه فنسنته مارتينيز، من جامعة كونتكت، بيانات أعطتها ست من شركات الاستشارات (بما فيها ثلاث من أكبر المجموعات الاستشارية في العالم) إلى سلطة السلوك المالي في الفترة من 2006 إلى 2015 لتقييم أدائها.
بشكل دامغ، المنتجات الاستثمارية التي أوصت بها الشركات الاستشارية كان لها وضع العوائد والمخاطر تماما مثل المنتجات التي نصحت الشركات المذكورة بالابتعاد عنها.
الفرق المهم الوحيد هو أن المنتجات التي توصي بها الشركات يغلب عليها أن تنحرف بقدر أقل عن مقاييسها المعيارية. وهذا ينطوي على عقلية ترى "السلامة مع الجماعة" بين المستشارين والتي تساهم في تجمعات الاستثمار.
بصورة إجمالية، ادعت الشركات الاستشارية الكبرى الثلاث (لم تذكر أسماؤها) أن المنتجات التي أوصت بها كانت أفضل بالتأكيد من مقاييسها المعيارية بنسبة 1.73 في المائة سنويا، وهو فرق ضخم حين نقارنه بفترة تمتد بضع سنوات. لكنها جميعا تستخدم منهجيات مختلفة، ولم تعط البيانات الكامنة وراء التوصيات إلى العملاء.
باستخدام البيانات التي قدمتها الشركات الاستشارية إلى سلطة السلوك المالي، أجرى الأكاديميون تحليلاتهم الخاصة، ووجدوا أنه على مدى عشر سنوات، حققت المنتجات الموصى بها 5.4 في المائة سنويا قبل احتساب الرسوم (أو 5.11 في المائة سنويا بعد احتساب الرسوم). كانت هذه النتيجة "أدنى" 0.3 في المائة من مجموعة المنتجات التي لم يوص بها المستشارون.
حين قارن الأكاديميون المنتجات الموصى بها فقط بالمنتجات غير الموصى بها من التي كانت في الفئة نفسها – وبالتالي كانوا يدرسون قدرة المستشارين على العثور على مديرين جيدين، وليس قدرتهم على اختيار فئات الأصول – وجدوا أيضا أن المنتجات غير الموصى بها تفوقت بنسبة 0.2 في المائة.
وجد الأكاديميون أيضا أن ادعاءات المستشارين من حيث نسبة أداء منتجاتهم الموصى بها كانت مبالغا فيها بحدود 1.95 في المائة سنويا.
بالتالي النتيجة الدامغة هي أن الفرقة الصغيرة من الشركات الاستشارية التي يسترشد بها قسم ضخم من أموال الجمهور في صناديق التقاعد لا تتمتع بالمهارة من حيث تحديد شركات إدارة الأموال الجيدة، وأنها ليست بمستوى الجودة التي تظن نفسها عليه.
السبب في ذلك ليس التحايل، وإنما هو أن لديها قدرا فوق الحد من حرية التصرف في تقديم أرقامها.
مثلا، نشأت نقطة تباين لأن المديرين قورنوا بالمقاييس المرجعية التي اختاروها هم أنفسهم – وكانوا في الأغلب يختارون بصورة متعمدة المقاييس المرجعية التي يسهل التفوق عليها. وحين قورنت النتيجة بعالم المنتجات غير الموصى بها، وهو بالتأكيد الاختبار الحاسم لمدى جودتها، كانت النتيجة مختلفة تماما.
نحن بحاجة إلى مستشارين للاستثمار، تماما مثلما نحتاج إلى المؤشرات ووكالات التقييم الائتماني. لكن في الوقت الحاضر يبدو أن هدفها الرئيسي هو السماح لنفسها بالتهرب من المسؤولية. والمنظمون، والعملاء، بحاجة إلى بيانات أفضل من أجل تنظيم الشركات الاستشارية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES