Author

تكاليف التنظيمات الحكومية

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


المقصود بالتنظيمات ما تضعه الدولة من ضوابط واشتراطات وتعليمات لفعل أو نشاط ما، سواء كان تجاريا أو غير تجاري، وسواء كان لفرد، أو منشأة. هذه التنظيمات مهمة جدا، حيث لا تستقيم حياة الناس بدونها. ومن ثم فالهدف تحقيق مصالح الناس بدرء مضار أو جلب منافع اقتصادية واجتماعية. وصعب جدا أو لا يمكن تحقيق هذه المنافع دون وجود هذه التنظيمات.
وتلك المنافع قد تكون حقيقية ملموسة عيانا بيانا، وقد تكون خفية تقديرية من خلال سياسات تستهدف مساعدة فئات من الناس، أو التأثير في الأنشطة بطرق غير ملموسة مباشرة.‏
وتظهر المحاسن بأشكال متعددة. من أمثلتها منع حوادث ومضار وأمراض، وتقليل أضرار بيئية وبشرية، وتحسين مستويات معيشية. لكن من المهم جدا الإشارة إلى أن حجم وحدود هذه المحاسن ليست بالأمر المجمع عليه، بل تقبل الأخذ والرد.
لكن للقصة جانبا آخر. ذلك أن الاقتصاد كالفيزياء، لكل فعل رد فعل. تؤثر التنظيمات في الأنشطة والتكاليف بصور مختلفة مباشرة وغير مباشرة. ووضعها ليس بلا رد فعل، وليس بلا مقابل وثمن وتكلفة. بل المشكلة أكبر. جزء من التكاليف أعلى من المتوقع ابتداء أو المظنون لاحقا أو المسجل حسابيا.
مثلا تنظيم الأدوية لازم طبعا لا جدال في ذلك. لكنه يرفع تكلفتها، ويعمل على تأخير السماح بأدوية جديدة، ربما يتبين لاحقا قدر كبير في أهميتها. مثال آخر، مراقبة الطعام مطلوبة لصحة البشر، وتقلل بقوة الأمراض، لكنها ترفع تكلفة الطعام، وبيعه، ومصاريف الحكومة. ومثال ثالث حديث: تطبيق شهادة الاستدامة للوحدات السكنية يعمل على تقليل قوي للغش في البناء، لكنها بالمقابل ترفع تكاليف البناء، وتقلل العرض. وهكذا.
سؤال: أيهما أكبر رقما، المضار التي منعتها أو التي حدت منها التنظيمات، أم التكاليف التي جلبتها تلك التنظيمات؟ التنظير أو التفكير المجرد والدراسات النظرية التطبيقية تدل على أن الأول أي رقم المضار التي منعت أكبر، إلا في حالات قليلة جدا تكون فيها التنظيمات معيبة كثيرا. والخلاصة أن المنافع أكبر من التكاليف. ومن ثم فالمطلوب ليس إلغاء التنظيمات، وإنما الاجتهاد في تخفيف عيوبها، بما يقلل تكاليفها ومضارها قدر الإمكان.
هل يمكن قياس المنافع والمضار بدقة؟
من الصعب القياس الدقيق. لكن هذا لا يمنع من السعي للحصول على أفضل تقدير قدر المحاولة.
هل كل التكاليف منظورة؟ لا، بل بعض التكاليف مخفية.
أكثر التكاليف التنظيمات مخفية، أي أنها لا تظهر للعيان، وصعب وضع أرقام مباشرة لها سواء على المستوى الشخصي، أو في حسابات الجهات الحكومية أو الخاصة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لمسؤولي وموظفي الجهات الحكومية؟
الملاحظ وبقوة ضعف تقديرهم للتكاليف الخفية لقراراتهم التنظيمية. وهنا مكمن المشكلة التي رأيناها في حملات تطبيق عدد من التنظيمات الحكومية.
كيف؟
ينظر المسؤول أو الموظف إلى ما يظهر من تكاليف، ويتجاهل أو يجهل ما عداها. مسؤول أو موظف الحكومة يرى التكاليف المباشرة مثل مبلغ الرسوم المترتب دفعه حسب النظام والتنظيمات، لكنه يجهل أو لا يعير اهتماما كافيا للنظر في تكاليف غير مباشرة غير منظورة. بعبارة أخرى، هم لا يرون تكاليف على القطاع الخاص جراء التطبيق خلاف التكاليف الصريحة المباشرة. لكنها تكاليف مؤثرة في عمل ونشاط القطاع الخاص، ومن ثم في ربحيته. ومؤثرة في مالية الدولة على المدى البعيد لأن تضرر القطاع الخاص ينتج منه أولا تضرر ما تحصل عليه الدولة من رسوم وضرائب. وثانيا يتضرر المجتمع من تضرر القطاع الخاص. يظهر هذا الضرر من خلال التوظيف، وتشغيل رأس المال، ونمو الاقتصاد.
دراسات في تقدير حجم التكاليف:
يولي الاقتصاديون المهنيون اهتماما لتقدير ما يصعب قياسه رقميا بصورة مباشرة، وقد عمل عدد من أساتذة علم الاقتصاد دراسات لتقدير تكاليف تنظيمات حكومية مختارة على الاقتصاد، وأختار هنا دراستين: الأولى: عنوانها التأثيرات الاقتصادية للتنظيمات الاقتصادية
THE EFFECTS OF ECONOMIC REGULATION
PAUL L. JOSKOW AND NANCY L. ROSE
Massachusetts Institute of Technology
معهد ماساتشوستس للتقنية MIT المعروف.
والثانية: عنوانها دراسات تطبيقية على تأثيرات تنظيمات اقتصادية.
Empirical studies on the impacts of economic regulation

إنشرها