Author

البطالة تتأهب للصعود .. ما العمل؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أظهرت أحدث بيانات صادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للربع الثاني 2018، انخفاض عدد العمالة الوطنية في منشآت القطاع الخاص للربع الثاني على التوالي بأكثر من 28.4 ألف عامل "16.3 ألف ذكورا، 12.2 ألف إناثا"، ليصل إجمالي الانخفاض في أعدادهم منذ بداية 2018 إلى 45.9 ألف عامل "28.7 ألف ذكورا، 17.2 ألفا إناثا"، وليستقر إجمالي أعداد العمالة الوطنية في القطاع الخاص بنهاية الربع الثاني 2018 عند مستوى 1.73 مليون عامل "1.19 مليون ذكورا، 548 ألفا إناثا"، مقارنة بأعدادهم في نهاية 2017 عند مستوى 1.8 مليون عامل "1.2 مليون ذكورا، 565 ألفا إناثا". أما على مستوى العمالة الوافدة، فأظهرت البيانات نفسها انخفاض أعدادها للربع السابع على التوالي بنحو 312.6 ألف عامل "312.1 ألف ذكورا، 511 إناثا"، ليصل إجمالي الانخفاض في أعدادهم منذ بداية 2018 إلى 512.1 ألف عامل "انخفاض 518.2 ألف ذكورا، ارتفاع 6.2 ألف إناثا"، وليستقر إجمالي أعداد العمالة الوافدة في القطاع الخاص بنهاية الربع الثاني 2018 عند مستوى 7.4 مليون عامل "7.2 مليون ذكورا، 210.4 ألف إناثا"، مقارنة بأعدادهم في نهاية 2017 عند مستوى 7.9 مليون عامل "7.7 مليون ذكورا، 204.2 ألف إناثا". وفقا لما تقدم من بيانات حديثة؛ أكدت التطورات على أرض الواقع في منشآت القطاع الخاص، حدوث انخفاض في جانبي العمالة الوطنية والوافدة، مع التذكير بأن التغيرات أعلاه تعكس صافي نتيجة القيام بخصم إجمالي عمليات الاستغناء عن خدمات العاملين، من إجمالي عمليات التوظيف التي تمت خلال الفترة، والانخفاض كما هو حاصل أعلاه، يعني أن عمليات الاستغناء والترحيل أكبر من عمليات التوظيف، والعكس صحيح حال حدوث ارتفاع. هل تحمل تلك التطورات اللافتة مفاجأة "انخفاض العمالة الوافدة بالتزامن مع انخفاض العمالة الوطنية"؟ الإجابة "نعم" لمن لم يكتشف حتى تاريخه الخلل الكامن في برامج التوطين الراهنة، وأولها بكل تأكيد برنامج نطاقات! والإجابة "لا" لمن أدرك منذ بدء تطبيق تلك البرامج حقائق الخلل الكامن فيها، وهو ما سبق الحديث عنه مرارا وتكرارا طوال الفترة 2011 - 2018، حدث بعض التحسين على تلك البرامج، لكن للأسف لم يقضِ ذلك على الاختلالات الجوهرية فيها، التي استمر تأثيرها وما زال حتى تاريخه، وما نشهده اليوم ليس إلا نتائج كانت متوقعة منذ بدأ العمل بها قبل أكثر من سبعة أعوام! ليست كل وظيفة يشغلها الوافد صالحة لإشغالها بمواطن، وهي تلك الوظائف التي لا تتطلب أي مهارات أو مؤهلات تعليم تذكر، وتشكل أعلى من 90 في المائة من إجمالي الوظائف التي تشغلها العمالة الوافدة، وهي الوظائف التي مثلت المصدر الأكبر لانخفاض العمالة الوافدة طوال الفترة "الربع الرابع 2016 - الربع الثاني 2018"، في الوقت ذاته الذي بقيت خلاله الوظائف القيادية العليا وجزء من الوظائف المتوسطة في منأى أو أقل حدة من حيث انخفاض العمالة الوافدة التي تشغلها. هذا جزء بسيط جدا من إشكالية التوظيف في القطاع الخاص، التي لم تتمكن برامج التوطين الراهنة من الوصول إليها بشكل أكثر فعالية وكفاءة. لهذا، جادت منشآت القطاع الخاص بوظائف متدنية المهارات والأجور أمام العمالة الوطنية، في الوقت ذاته الذي لا ترغب فيها العمالة الوطنية قياسا على ما تمتلكه من شهادات تفوق المهارات اللازمة لشغل تلك الوظائف، دع عنك مستوى الأجور التي قد يصل إلى المستحيل أن تقبل بها العمالة الوطنية! أسهم "التوطين الوهمي" في أعوام سابقة في القفز على تلك المعضلات، لكن مفعوله "الوهمي" سرعان ما انتهى خلال أقل من عامين بمجرد بدأت "وزارة العمل" في محاربة هذا الشكل من أشكال التوظيف، الذي لم ولن ولا يسمن ولا يغني من جوع! لطالما تم التأكيد على ضرورة العودة إلى استراتيجية التوظيف السعودية، التي تعطل العمل بها بعد أن انتهى إنجازها طوال أربعة أعوام سبقت 2010، الاستراتيجية التي كان مخططا أن يميز العمل بها بين المنشآت حسب حجمها والنشاطات التي تنتمي إليها، وكانت تميز بين أنواع الوظائف ومستوياتها والأجور المدفوعة بناء عليها. اليوم، نحن أمام أشكال أكثر تعقيدا بالنسبة إلى منشآت القطاع الخاص، مما كانت عليه إبان فترة إعداد وتصميم تلك الاستراتيجية، فقد زادت تشوهات القطاع الخاص طوال الفترة 2011 - 2018، وأصبح من الضرورة بمكان أن يتم تحديث وتطوير تلك الاستراتيجية آخذا في الحسبان تلك التغيرات التي طرأت على القطاع طوال ما يقارب العقد الزمني الماضي! باختصار شديد؛ نحن أمام مستويين من التحديات الكامنة في القطاع الخاص، المستوى الأول: يقوم على حجم منشآت القطاع الخاص والنشاط الذي تنتمي إليه، فمنشأة قد تكون متوسطة الحجم في قطاع التأمين أو المصرفي أو الاستثماري، تعد مطلوبة بدرجة أكبر من العمالة الوطنية، مقارنة بمنشأة كبيرة قد تنتمي على سبيل المثال إلى قطاع التشييد والبناء! وقس على ذلك كثيرا من الأمثلة والشواهد. المستوى الثاني: يقوم على نوع ومستوى الوظائف التي تستهدف بالتوطين، وهو ما أغفلته تماما برامج التوطين الراهنة، أو قل إنها شجعت على توطين الوظائف الدنيا، مقابل تجاهلها توطين الوظائف العليا والقيادية والمتوسطة الأعلى في القطاع الخاص، لهذا جاءت النتائج العكسية المتمثلة في زيادة "التوطين الوهمي" الذي سرعان ما انكشف عنه الستار، وفي الوقت ذاته زاد الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة في الوظائف القيادية والتنفيذية والمتوسطة الأعلى! المستوى الأول، يتطلب أن يتم التعامل مع المنشآت العملاقة والكبيرة بمعايير أكثر حزما وقوة على مستوى التوطين، ويكفي القول هنا إن الوظائف لديها، المشغولة بملايين من الوافدين في المستويات العليا والمتوسطة الأعلى، كفيلة بأن تقضي على البطالة أو تخفضها إلى أدنى مستوياتها تاريخيا. في الوقت ذاته، لا يعني ذلك استثناء المنشآت المتوسطة والصغيرة من التوطين "يفوق عددها 2.0 مليون منشأة"، بل يتم التعامل معها في المقام الأول بهدف القضاء على أي أشكال للتستر التجاري، وتوظيف العمالة الوافدة السائبة، التي تسببت في إحداث كثير من الأضرار والتشوهات على مستوى الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وهو الإجراء الذي متى تم بحزم أكبر وقوة، كفيل أن ينتج عنه ترحيل ما يقارب نصف العمالة الوافدة بأعدادها الراهنة، ولا حاجة للبلاد والعباد إليهم، وسينتج عن ترحيلهم انفتاح فرص استثمار محلية لا حصر لها أمام المواطنين والمواطنات، سيكون لها الأثر الكبير جدا مستقبلا في ولادة وتوسع أعمال منشآت صغيرة أو متوسطة بلغة أرقام اليوم، لتتحول إلى كيانات كبيرة وعملاقة في منظور العقدين المقبلين، وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
إنشرها