Author

مواقع التواصل الاجتماعي .. وفقدان المصداقية

|
رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي حققت كثيرا من الانتشار والنجاح في عمق المجتمعات الإنسانية، إلا أن المواقع دخلت أخيرا في أزمة ثقة وغياب المصداقية عند عدد غفير من الناس. وفي تقديري إذا لم يجد الإعلام الجديد حلا لهذه الأزمة بأسرع ما يمكن، فإن الناس سيشككون في كل ما يصدر عن هذه المواقع، وربما سينصرفون عن متابعتها ولا يتحلقون حولها. ولقد نتج من خلال استخدام منصات مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الإشاعات الكاذبة والتشهير بالشخصيات العامة أن انسحب من هذه المنصات عدد كبير من الشخصيات المهمة في العالم. ولقد استشعر أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي الخطر من انسحاب شخصيات عالمية ذات وزن ثقيل من هذه المواقع، فبادر جاك دورسي الشريك المؤسس لـ "تويتر" بإطلاق تصريح يعترف فيه بأن منصة "تويتر" لم تعد مكانا للمناقشات التعددية أو التي تستند إلى الأفكار التنويرية العميقة، ويضيف دورسي أن منصة "تويتر" تعرضت لانتقادات حادة بسبب تشوهات في التغريدات التي أخذت تصدر منها، وقال دورسي في سلسلة تغريدات أطلقها من منصة "تويتر"، "إننا نحتاج في "تويتر" إلى العمل من أجل تطوير ديناميكيات العمل وترسيخ مبدأ العقلانية، وإننا نعمل جادين من أجل استعادة مصداقية المنصة وجعل استخدامها أكثر موضوعية وعقلانية". والمصيبة التي تتهدد هذه المواقع هي أن بعض المنظمات الإرهابية أخذت تستخدم هذه المواقع وتفبرك مجموعة من الشائعات الكاذبة والضالة للنيل من خصومها في كل المواقع، الأمر الذي أوقع هذه المواقع في نشر سلسلة من الأكاذيب العاطلة والباطلة، مثل الإخبار عن وفاة شخصيات قيادية مهمة في بعض الدول، أو زواج فنان أو مسؤول في منصب حساس. إن منطقتنا العربية تواجه في هذه الأيام حروب الجيل الرابع، وهي حروب تقوم على نسج الشائعات المضللة الهادفة إلى تشويه القيادات والتشكيك في كل ما يقولونه، وتوليف قصص التفسخ والانحلال حول رموز المجتمع. والواقع أن المملكة تعرضت أخيرا لسلسلة من الأكاذيب والشائعات التي نالت بعض الشخصيات العامة أو بعض المؤسسات الحكومية، لكن إمكانات رئاسة أمن الدولة في المملكة تمكنت بمهارة عالية من تدمير هذه الأكاذيب وتبديدها وهي في مهدها، كما أن وعي المواطن السعودي كان لهذه الشائعات بالمرصاد، وأخمدها وهي ما زالت في جحورها. ولعل أهم ما تستهدفه هذه الذراع الإلكترونية الجبارة هو دعم وسائل محاربة الإرهاب، وعلى سبيل المثال، فإن مركز المعلومات الوطني سيركز كل طاقاته وخبرته لدعم المباحث وقوات الطوارئ الخاصة وقوات الأمن الخاصة التي ستقوم بمهمة إجهاض منابع ومصادر الإرهاب بكل أشكاله وألوانه. وفي ضوء هذه التطورات الإلكترونية المهمة فإن المملكة تتجه كي تكون مرجعا دوليا في محاربة الإرهاب، ولا سيما أن المملكة نجحت في التصنت على قوات "داعش" الإلكترونية، وأعطت الولايات المتحدة والعراق كما هائلا من المعلومات التي مكنت القوات العسكرية العراقية من الفوز بالحرب ضد "داعش" في مدة زمنية أقل مما كان متوقعا. ولا شك أن جهاز أمن الدولة سيكون على درجة عالية من الحساسية، كما أنه سيكون محل احترام وتقدير المجتمع السعودي الذي يتمنى أن يتمتع جهاز أمن الدولة بالكفاءة والقدرة على رد المخاطر التي بدأت تتزايد في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت تتهدد أمن وسلامة البلاد والعباد. إن جهاز أمن المعلومات في المملكة يتابع هذه المنصات متابعة جيدة ويضع لها الخطط الكفيلة بمكافحة هذا النوع من الجرائم، ومن حسن الحظ أن المملكة لديها كفاءة عالية على مستوى تقني رفيع ولديها كذلك أجهزة دقيقة توقف كل الأعمال القذرة التي تأتيها من الخارج، وبالذات من إيران وقطر اللتين تستهدفان أمن وأمان المملكة. إن عدم وجود أنظمة تسيطر على ما يكتب وينشر في مواقع التواصل الاجتماعي جعل هذا النوع من الإعلام ينتشر بحرية مطلقة، والحرية المطلقة مفسدة مطلقة، ولذلك مع انتشار مزايا إعلام التواصل الاجتماعي انتشر معها ما يسمى بفوضى الأخبار التي أخذت ــ في كثير من الأحايين ــ نمطا مؤذيا لأطراف أخرى، لا حول لها ولا قوة. لكن بعض الإعلاميين التقليديين يرون في تجاوز مواقع التواصل الاجتماعي حدود اللياقة الإنسانية انتصارا للإعلام التقليدي المنضبط. والواقع أن الحرية التي يتمتع بها إعلام التواصل الاجتماعي لن تؤدي إلى إطفاء شعلة هذا النوع المبدع من الإعلام الجديد، إنما بشيء من التقنين والمصداقية فإنه سيستمر في اقتحام كل مجتمعات الدنيا. والسبب أن هذا الإعلام يأتي في إطار ثورة تكنولوجيا المعلومات التي انتشرت في كل أرجاء الدنيا وفي كل مجالات الحياة، ومنها وسائل النشر والإعلام التي نابها تغيير جذري، سواء بالنسبة إلى المرسل أو المتلقي. إن مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم تبدأ بصورة جادة في تقنين أوضاعها، فستفقد مواقع كثيرة، لأن نشر الشائعات الكاذبة في المجتمعات النقية بات نوعا من أنواع الحروب الجديدة التي أخذت الدول تجند نفسها للقضاء عليها، ولا سيما أن بعض المواقع أصبح منصات تتحالف مع منظمات إرهابية. لكن في المقابل، فإن الحكومات الواعية نجحت في تحجيم دور هذه الحروب، واستطاعت أن ترتقي بوعي مواطنيها، وكذلك تدعم وتقوي أجهزتها الأمنية حتى تتمكن من كشف وصد مثل هذه الحروب المأجورة، التي أصبحت تلقى مصيرها المحسوم والمهزوم.
إنشرها