Author

استراتيجية السعودية النفطية .. اتزان لا ردود أفعال

|
لم تعمل المملكة منذ تأسيسها حتى اليوم على "تسييس" النفط. ما قامت به بالفعل على مدى عقود عكس ذلك تماما، منطلقة من استراتيجيتها التي تقوم على المسؤولية، بصورة توازي مكانتها وسمعتها ووزنها على مختلف الأصعدة. والسعودية كانت تتدخل من أجل حل أزمات نفطية نشأت بفعل الموقف السياسي لهذا المصدر أو ذاك. بل وقفت في وجه أطراف حاولت دائما أن تنشر التوتر في السوق النفطية، وفي مقدمتها النظام الإيراني الإرهابي، الذي سعى حتى لإفشال اتفاق خفض الإنتاج العالمي. ولولا المملكة لحقق هذا النظام ما أراد. ومن هنا، فإن الضمانات السعودية للإمدادات النفطية العالمية، لا يمكن أن تتراجع أو أن تتراخى، وهي ضمانات من جهة قادرة على توفير الحماية المطلوبة للسوق النفطية في أي وقت وتحت أي ظرف، وفي ظل أي محاولات بائسة من هنا وهناك. بدا هذا واضحا أخيرا، في أعقاب الأزمة في العلاقات بين السعودية وكندا، بعد أن تدخلت تلك الأخيرة بما لا يعنيها، وضربت كل القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، خصوصا مع المملكة التي تربطها علاقات قوية ومتميزة مع كل الأطراف الكبرى الفاعلة وغير الفاعلة. ولأن استراتيجية السعودية واضحة، فلم تتأثر علاقات شركة "أرامكو" السعودية مع عملائها في كندا، رغم أن الرياض سحبت حتى الطلبة والمرضى السعوديين من كندا احتجاجا على فعلتها غير الدبلوماسية. والإمدادات النفطية العالمية بشكل عام، تبقى مجالا استراتيجيا محوريا، وتحدث فوضى اقتصادية حقيقية إذا ما تعرضت للاضطراب، بما في ذلك ضرب وسائل الإنتاج. ولذلك، فهي في مأمن بقوة السعودية وسياساتها المستندة إلى الحكمة وليس إلى ردود الفعل. الالتزام السعودي في الإمدادات النفطية يستهدف في الواقع الاقتصاد العالمي ككل. وأسهم هذا الالتزام في تخفيف كثير من المشاكل الاقتصادية في السابق، ما دفع عديدا من الدول إلى التأكيد على نجاعة وصدق السياسة السعودية في هذا المجال. حتى عندما وصلت الأزمة بين الولايات المتحدة ونظام إيران الإرهابي إلى مستوى منع طهران من تصدير نفطها في إطار العقوبات المفروضة عليها لوقف إرهابها وتخريبها، كانت السعودية جاهزة لسد أي نقص في الإمدادات النفطية العالمية. وهي أيضا تعمل على جعل السوق النفطية متوازنة بين العرض والطلب، وبالتالي ضمان أسعار مقبولة لكل الأطراف. إنها استراتيجية تفيد العالم كما تفيد المملكة نفسها، خصوصا أن السعودية تشترك في صناعة القرار الاقتصادي العالمي من خلال مكانتها وعضويتها في مجموعة العشرين. الأزمة مع كندا لن تؤثر بأي حال من الأحوال على الإمدادات النفطية السعودية لهذا البلد، الذي يستورد 11 في المائة من نفط المملكة. ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، خالد الفالح، أكد رسميا هذه الحقائق، وكرر مجددا طبيعة السياسة السعودية الحكيمة فيما يخص النفط والطاقة بشكل عام. هناك مشكلة كبيرة فعلا بين الرياض وأوتاوا، تحاول كندا الوصول إلى حل لها بكل الوسائل المتوافرة، بما في ذلك الاتصال بأطراف دولية أخرى للوساطة. وفي خضم هذه الحالة، سيحصل عملاء المملكة على النفط في كندا دون أي تأخير أو اضطراب. إنها مسؤولية ألزمت الرياض نفسها بها، وقلما تجدها في عواصم أخرى. مسؤولية ستواصل الالتزام بها إلى ما لا نهاية، لأنها تعرف كيف تتعاطى مع الأزمات وتداخلاتها، وتعرف كيف تصل إلى حلول ناجعة لها تحفظ الموقف السعودي الواضح لكل البشر.
إنشرها