FINANCIAL TIMES

مساع لمواجهة التضليل الإعلامي على «فيسبوك»

مساع لمواجهة التضليل الإعلامي على «فيسبوك»

هذا الأسبوع، يشرع فيسبوك في تجربة جديدة لافتة للنظر بالتعاون مع مجلس بحوث العلوم الاجتماعية، وهو منظمة أمريكية غير ربحية تدعم الأبحاث المتعلقة بتخصصات مثل علم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا.
قبل بضعة أشهر أعلنت شركة التكنولوجيا العملاقة في وادي السليكون أنها ستسمح للباحثين الأكاديميين بطلب الوصول إلى البيانات المتعلقة بمستخدميها البالغ عددهم ملياري شخص، بتوجيه من مجلس بحوث العلوم الاجتماعية ومجموعة أكاديمية جديدة مستقلة تدعى "العلوم الاجتماعية وان" Social Science One. ويمثل هذا أول إطار عمل بحثي يجري استعراضه من قبل الأقران ويخضع لسيطرة مناسبة باستخدام بيانات فيسبوك ـ رغم أن بعض الأكاديميين استخدموا بيانات وسائل التواصل الاجتماعي من قبل، إلا أنها كانت تجربة لهدف خاص.
لذلك اعتبارا من التاسع من آب (أغسطس)، بدأ كل من مجلس بحوث العلوم الاجتماعية و"العلوم الاجتماعية وان" بمراجعة المقترحات البحثية المقدمة من الباحثين الأكاديميين – وفي فصل الخريف سيقرران من الذي سيحصل على كل من التمويل والإذن بالغ الأهمية للوصول إلى البيانات ليروا ما الذي تخبرنا به أنشطة فيسبوك فيما يتعلق بوضع الإنسان.
في البداية، ستعطي مجموعة "العلوم الاجتماعية وان" الأولوية للبحوث المتعلقة بـ "آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الديمقراطية والانتخابات"، كما توضح عبر موقعها على الإنترنت. لكن البحوث المستقبلية ستستكشف مواضيع أخرى، مثل كيفية تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع الاقتصاد، أو مع ميدان الطب.
تقول ألوندرا نلسون، رئيسة مجلس بحوث العلوم الاجتماعية وأستاذة علم الاجتماع في جامعة كولومبيا: "لا تفرض (فيسبوك) أية قيود على طبيعة الأسئلة المطروحة في البحث، أو كيفية استخدام البيانات، أو المكان الذي ينشر فيه البحث – فيسبوك لا تمتلك أية سيطرة على ذلك. هذه هي أكبر كمية على الإطلاق من البيانات السلوكية والاجتماعية التي يحصل عليها الأكاديميون. إنها مصدر معلومات غني حول عمل المجتمع، وما تقدمه لنا وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا".
هل هذه المبادرة فكرة جيدة؟ يمكنني القول إن بعض قراء "فاينانشيال تايمز" سيصرخون: "لا". خلال العام الماضي اضطررنا للانتباه إلى الحقيقة غير السارة التي مفادها أن الثورة الرقمية للقرن الحادي والعشرين لم تقدم لنا فقط خدمات كان لا يمكن تصورها في الماضي، بل عملت أيضا على تحويلنا إلى فئران تجارب رقمية.
وقصة "كامبردج أناليتيكا"، مجموعة تحليل البيانات تم حلها الآن، تجسد هذا. الشركة امتصت بكل هدوء كميات هائلة من البيانات الواردة من مجموعة واسعة من المصادر –بما في ذلك بعض بيانات فيسبوك التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة من خلال إجراء دراسة شبه أكاديمية–واستخدمتها للتنبؤ بالسلوك. ومن ثم باعت هذه المعلومات لسياسيين ومجموعات أخرى. والتكتيكات التي استخدمتها لم تكن فريدة من نوعها: كان هناك عدد لا يحصى من الشركات الأخرى تستخدم أيضا البيانات الكبرى لدراسة الناس، أملا في التلاعب بهم من أجل تحقيق أغراض سياسية وتجارية.
مبادرة فيسبوك ومجلس بحوث العلوم الاجتماعية الجديدة لا تمثل فقط جهودا بذلتها شركة التكنولوجيا المتعبة لدرء الانتقادات العامة الآخذة في التزايد، بل هي أيضا محاولة من قبل المجتمع الأكاديمي للمقاومة. في عالم كانت تعمل فيه الشركات على استغلال مجموعات من البيانات الشخصية التي أوجدها مستخدمو الإنترنت، يقول مجلس بحوث العلوم الاجتماعية إن هناك حاجة ملحة لوجود أكاديميين مستقلين ليقدموا بعض الرقابة الموضوعية – واقتراح قوانين تنظيمية محتملة.
من الممكن الاعتقاد أن إشراك الأكاديميين في هذه التجربة العالمية الضخمة قد يؤدي إلى تحقيق بعض الخير. إذا تم منح علماء الاجتماع إمكانية وصول كافية إلى بيانات فيسبوك، ربما يصبحون قادرين على اكتشاف دلائل تشير إلى أنه يجري تشجيع العنصرية من خلال التضليل الإعلامي في حملة سياسية–ومن ثم تسليط الضوء على ذلك واقتراح تدابير لمواجهة هذا الأمر. قد يكونون أيضا قادرين على تقييم ما يفعله اللاعبون التجاريون والسياسيون في هذا النظام وإطلاق صافرة الإنذار في حال وجود أي سلوك مسيء. ويحلم بعض الباحثين الأكاديميين بالعمل مع جماعات غير حكومية لاستخدام تحليلات البيانات الكبرى لتشجيع تحسين الرعاية الصحية والتعليم، أو حتى مكافحة عدم المساواة في الدخل. هل يمكن لهذا السيناريو المشرق أن يستمر مع بيانات فيسبوك؟ لا أحد يعلم. يأمل المشروع أن يسمح للأكاديميين فقط بتقديم طلبات من أجل مسح البيانات في بيئات مضبوطة بعناية، لمنع التسرب أو إساءة الاستخدام. وسيتم منح إمكانية الوصول إلى البيانات فقط للأكاديميين الذين يستوفون المعايير الأخلاقية التي يجري استعراضها ومراجعتها من قبل الأقران، مع تمويل مقدم من "سبع مؤسسات غير ربحية ومتنوعة أيديولوجيا" من بينها مؤسسة تشارلز كوك ومؤسسة ألفريد بي سلون.
يقول ناثانيال بيرسيلي، الرئيس المشارك في مجموعة "العلوم الاجتماعية وان": "نحن مهووسون بالخصوصية. ونعلم أن الجميع يتطلع إلى هذا المشروع ليرى ما إذا كان بالإمكان توفير البيانات المحمية بالخصوصية لعلماء الاجتماع بأسلوب لا يكرر المشاكل التي حصلت في الماضي". وورد في الموقع الإلكتروني الخاص بالمشروع أن "فيسبوك وشركاؤنا في التمويل يدركون التهديد المتمثل في إساءة استخدام بيانات فيسبوك، بما في ذلك من قبل باحث أكاديمي مرتبط بقضية كامبردج أناليتيكا".
لكن لا يزال من غير الواضح إن كان هناك أي شخص يمكنه الحصول على بيانات مهمة في حال تم الحفاظ على ضوابط الخصوصية، وكيف ستتم مراجعة البحوث من قبل الأقران أو تكرارها، أو كيف يمكن أن يكون تأثير قوانين أوروبا الجديدة المتعلقة بخصوصية البيانات على هذا العمل الأكاديمي.
مع ذلك، وفي الوقت الذي تمضي فيه التجربة قدما، هنالك أمر واحد جلي: الأعمال المتعلقة بوجود "أناس مراقبين" آخذة في التغير بشكل سريع، والأكاديميون بحاجة ماسة للتوصل إلى قواعد أساسية جديدة. لم يحدث من قبل قط أن كانت معرفة من الذي يتولى دراسة البشر والسبب في ذلك على هذه الدرجة من الأهمية، ولم يحدث من قبل قط أيضا أن حظي علماء الاجتماع بمثل هذا الدور الذي من المحتمل أن يكون حاسما. لا أحد يستطيع إرجاع هذا المارد الرقمي إلى القمقم في أي وقت قريب. القضية الوحيدة المهمة هنا هي من الذي سيخول السيطرة على البيانات واستخدامها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES