أخبار اقتصادية- عالمية

فقراء لندن .. مأساة تختفي وراء عاصمة بالغة الثراء

فقراء لندن .. مأساة تختفي وراء عاصمة بالغة الثراء

في قلب حي المسارح في العاصمة البريطانية لندن، وعلى الجانب الآخر من فندق سافوي الفاخر، حيث يصل سعر الليلة الواحدة فيه إلى 800 دولار، وقف عشرات الأشخاص بصبر طويل في مساء صيفي حار.
مشهد هؤلاء الناس الذين اصطفوا في طابور طويل متعرج بالقرب من أحد فروع بنك "كوتس أند كو"، الذي يقدم خدماته المصرفية لملكة بريطانيا، يقدم صورة للندن المعاصرة، حيث تجمع رجال ونساء من كل الأعمار والخلفيات العرقية، بعضهم يتحدث باللغة الإنجليزية، وآخرون يتكلمون باللغة البولندية مع خليط من اللغات الأخرى.
وكان بعض هؤلاء الناس يرتدون ملابس كلاسيكية من قميص وبنطلون، وآخرون يرتدون الجينز وقبعات البيسبول، وكان أحدهم يرتدي زيا خاصا بإحدى شركات توصيل الطعام إلى المنازل.
وبحسب "الألمانية"، لم يكن هؤلاء ينتظرون شراء تذاكر عرض "ويست إند"، ولا حجز مائدة في مطعم "جوردون رامساي"، وإنما كانوا ينتظرون وجبة غذائية تقدمها لهم إحدى الجمعيات الخيرية المحلية مجانا.
وتقول وكالة بلومبرج للأنباء، إن وجود صور الأغنياء إلى جوار الفقراء والمشردين ومطاعم الفقراء ليس جديدا في مدينة ألهمت الأديب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز والأديب جورج أورويل، ولا حتى أمرا فريدا في المراكز الحضرية الكبرى في مختلف أنحاء العالم.
لكن في بريطانيا يمكن القول إن هذا المشهد يعكس مجتمعا يعاني الضغوط المتزايدة مع استنزاف طاقته السياسية في التعامل مع ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتركيز على القضايا الملحة الأخرى.
وتعاني الحكومة البريطانية شلل عملية صناعة القرار، ولم تعد قادرة على معالجة أسباب الوهم الذي أدى إلى تصويت غالبية الناخبين في بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء حزيران (يونيو) 2016.
في حين أدت ثماني سنوات وخفض نحو 140 مليار جنيه استرليني (184 مليار دولار) من النفقات العامة إلى تدهور الخدمات العامة والمساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للمحتاجين في بريطانيا.
وترى "بلومبرج" أن ثراء وبريق لندن أكثر المدن الأوروبية عولمة، يخفي طبقة من الوظائف الدنيا التي لا تعطي لأصحابها الدخل اللازم لتوفير احتياجاتهم الأساسية.
ويقول "شيان جيبسون"، الذي كان يقف في نهاية الطابور منتظرا بصبر طويل الحصول على وجبة عشاء من جمعية "أصدقاء مشردي إسيكس ولندن" الخيرية، "لا أستطيع توفير ما يكفيني من الطعام؛ لذلك علي أن أحصل عليه من أي مكان آخر".
ويضيف أنه يعمل في توصيل الطلبات إلى المنازل، ولا يحصل على دخل يكفي لسداد الإيجار وشراء الطعام الذي يحتاجه، مشيرا إلى أنه يحصل غالبا على 960 جنيها استرلينيا كل ستة أسابيع، في حين أن متوسط إيجار المساكن في لندن ضعف هذا المبلغ "نصف الإيجار هنا يصل إلى 600 جنيه استرليني أو أكثر، فكيف يمكن للناس تحمل هذا. إنه أمر مثير للسخرية".
ووفقا للأرقام، فإن معدلات التوظيف في بريطانيا وصلت إلى مستويات قياسية بفضل مرونة عقود العمل، التي تتيح للشركات توظيف العمال وتسريحهم بسهولة، مثل عقد عمل جيبسون.
لهذا فالاقتصاد البريطاني غني بما يكفي لكي يقرر بنك إنجلترا المركزي زيادة أسعار الفائدة، كما أن معدلات الفقر المدقع تراجعت إلى مستويات قياسية.
ويشير تقرير صادر عن مركز أبحاث "مؤسسة القرار" إلى ارتفاع مستوى المعيشة في بريطانيا خلال العام الماضي بأبطأ وتيرة له منذ 2012.
وتحول ارتفاع الدخول في أعقاب الأزمة المالية العالمية، التي تفجرت في 2008 إلى تراجع بالنسبة لأفقر 30 في المائة من الأسر في بريطانيا، وفي حين أن لندن أغنى منطقة في شمال أوروبا، فإن بريطانيا تضم تسعا من أفقر عشر مناطق في شمال أوروبا.
وبحسب أرقام مكتب مسؤولية الموازنة البريطاني، فقد تراجع الإنفاق العام في بريطانيا إلى نحو 38 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 45 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2010.
وأظهر بحث أجرته جمعية "شلتر" "المأوى" الخيرية، أن 55 في المائة من الأسر المشردة التي تعيش في مساكن الإيواء المؤقت تعمل.
وبحسب البحث المستند إلى طلبات حرية الحصول على المعلومات، فإن عدد هذه العائلات يبلغ 33 ألف عائلة بزيادة 73 في المائة منذ 2013.
ويقول محمد ناظر عضو الحكومة لشؤون الإسكان في مجلس منطقة "سلوه بروه"، إن "كل إنسان يحارب للبقاء على قيد الحياة الآن"، مضيفا بعد اجتماع في البرلمان البريطاني حول المشردين "الوعي الاجتماعي يتلاشى بسرعة".
في الوقت نفسه، تقاتل تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية يوميا للبقاء في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة، وقد استقال ثمانية من أعضاء حكومتها منذ إعلانها خريطة طريقة الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل أيام.
وتحولت صناعة القرار في بريطانيا إلى عملية إطفاء الحرائق أو ردود الأفعال مع بدء العد التنازلي للخروج من الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) من العام المقبل.
ويقول نيل كويل عضو مجلس العموم البريطاني عن حزب العمال المعارض والرئيس المشارك لمجموعة غير حزبية مكلفة بدراسة ملف المشردين في البرلمان، إن أربعة وزراء تعاقبوا على وزارة الإسكان خلال السنوات الماضية.
وظلت سياسات الحد من ظاهرة الأسر المشردة وتوفير التأمين الاجتماعي لجيل جديد من العمال الفقراء في الظل وخارج دائرة تركيز الحكومة بدعوى التركيز على قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكانت الحكومة البريطانية تعتزم الكشف في تموز (يوليو) الماضي عن خططها لتنفيذ التعهد الذي قطعته على نفسها في 2017 بخفض عدد الذين ينامون في الشوارع إلى النصف بحلول 2022، ثم القضاء على هذه الظاهرة نهائيا بحلول 2027.
من ناحيتها، ما زالت وزارة الإسكان والمواصلات والحكم المحلي تأمل في إعلان هذه الخطط خلال الصيف الحالي.
ومن غير المحتمل أن تتضمن أي خطة حكومية هذا العدد المتزايد للفقراء من نوعية عامل توصيل الطلبات إلى المنازل جيبسون، الذين ينامون على الآرائك في مسكن صديق أو أسرة أو يستأجر سريرا فقط داخل شقة دون حق في استخدام باقي مرافق الشقة.
ويقول ستيفن ستيوارت، الذي أسس منذ 18 شهرا مع زوجته جمعية "أصدقاء مشردي أكسيس ولندن، "من الصعب جدا معرفة ما إذا كان شخص ما مشردا؛ لأننا نرى أشخاصا يرتدون ملابس جيدة، ويعملون" لكنهم لا يكسبون ما يسد احتياجاتهم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية