Author

توازن الميزانية هدف قابل للتحقق بحلول 2023

|
دائما ما تعكس أرقام الميزانية العامة للدولة وقائع اقتصادية مهمة، من بينها (ولعله الأهم) نمو الاقتصاد، فإذا حققت الإيرادات العامة للدولة نموا ملحوظا، فإن ذلك مؤشر واضح الدلالة على حجم النمو الاقتصادي والعكس صحيح، فإذا تراجعت الإيرادات العامة، فإن ذلك مؤشر قاطع الدلالة على تراجع النمو الاقتصادي، وفيما مضى كانت مثل هذه المعلومات تتاح فقط بعد نهاية السنة المالية، وهذا يقلل من قيمة المعلومات الاقتصادية، لكن عيب أصيل في المعلومات المحاسبية على كل حال، إذ إنها تتسم بالتاريخية، لكن تتغلب النظم المحاسبية عليه من خلال زيادة كمية المعلومات المنشورة خلال العام، ما يجعلها أقرب للأرقام الجارية ويمكن المستفيدين من خلالها قراءة الاتجاهات الاقتصادية بشكل أفضل، لكن تظل العيوب التاريخية، خاصة في أرقام الميزانية العامة محل نقاش. لقد سجلت الميزانية العامة للمملكة في تقريرها الربعي الثاني ارتفاعا ملحوظا في إجمالي الإيرادات، حيث بلغت للربع الثاني فقط 273.588 مليار ريال بارتفاع نسبته 67 في المائة عن الربع المماثل من العام الماضي، (إجمالي إيرادات النصف الأول 439.851 مليار ريال بارتفاع قدره 43 في المائة)، وهذا يشير بوضوح إلى تحسن الاقتصاد بشكل عام فالإيرادات العامة تأتي من مصدرين هما الإيرادات النفطية، التي تحسنت بشكل ملحوظ خلال العام الحالي نظرا للجهود، التي بذلت من أجل استقرار السوق النفطية، والمصدر الثاني يأتي من الإيرادات غير النفطية التي تمثل الضرائب والجمارك الركيزة الأساسية فيها، وإذا قلنا إن تحسن الإيرادات العامة مؤشر على تحسن الاقتصاد ونموه، ذلك أنه لا يمكن للإيرادات الضريبية أو الجمركية أن تنمو ما لم يكن هناك حركة واسعة للسلع والنشاط الاقتصادي بشكل عام، فالمعروف أن ضريبة القيمة المضافة تعتمد (كما هو اسمها) على قدرة الاقتصاد ومؤسساته المختلفة على إضافة القيمة، وإذا لم تتحقق القيمة، فإن الإيرادات الضريبية تنخفض بشكل دارماتيكي، ولهذا تصبح ضريبة القيمة المضافة وانعكاساتها على الإيرادات العامة مؤشرا لا يمكن تجاهله بحال عن حجم النمو والإصلاح الاقتصادي الذي تشهده أي دولة. بالطبع لا يمكن تجاوز مسألة مهمة هنا وهي قدرة الأجهزة الضريبية والجمركية على التحصيل ومكافحة التهرب، وإذا كانت تجربتنا الضريبية مع القيمة المضافة لم تزل قصيرة ومع ذلك فإن هناك نموا واضحا، فإنه يمكننا التنبؤ بمزيد من الثقة بأن حجم الإيرادات سينمو أكثر وسيتراجع العجز كلما واصلت الإصلاحات الاقتصادية اتجاهاتها الحالية وكلما زادت قدرة الجهات الضريبية على التحصيل وزاد وعي المجتمع بها، كما أن في ذلك رسالة واضحة بشأن تصنيف المملكة الائتماني وقدرتها على خدمة الدين العام. في هذا الاتجاه بالذات وفي مقابل النمو القوي للإيرادات، فإن العجز قد انخفض بشكل كبير عما كان متوقعا في بداية العام، فالعجز المسجل للربع الثاني لم يتجاوز 7 في المائة وهذا انتصار كبير، ومصدره الرئيس (إضافة إلى نمو الإيرادات) هو الجهد الضخم الذي تم من أجل ضبط النفقات، وهنا لا بد أن نشير إلى الإجراءات الواسعة التي اتخذتها وزارة المالية ومن بينها منصة اعتماد، التي يبدو أن تأثيرها سيكون كبيرا جدا على ضبط الإنفاق والحد من الهدر، وبالتالي ضبط النمو في المصروفات، وفقا لتشريعات الميزانية، وهذا كله سينتهي بزيادة التراكم الرأسمالي، الذي سيضخم العوائد الاقتصادية في المستقبل وجنبا إلى جنب تعزيز الإيرادات والإصلاحات الضريبة، فإن توازن الميزانية بحلول عام 2023 هدف قابل للتحقق بكل وضوح، كما أشار بذلك تقرير صندوق النقد الدولي قبل أقل من شهر. نمو الدين العام مؤشر طبيعي، نظرا لاستمرار وجود العجز في الميزانية، ذلك أن المملكة في خطتها للإصلاح الاقتصادي لم تغلب جانب التقشف، ولم تتخذ إجراءات تقشفية صارمة، بل حافظت على مستويات الإنفاق العالية مع ضبط المصروفات وإعادة جدولة المشروعات من أجل دعم التنمية وتحسن التراكم الرأسمالي، ولكن من المشهود له أن المملكة استخدمت التمويل بالعجز من أجل دعم حركة ونشاط الصكوك في السوق المالية السعودية، وقد ارتفعت الصكوك من 36 مليارا إلى ما يزيد على 250 مليارا، وهذا سيعزز من عمق السوق وقيمتها وجذب الاستثمارات العالمية لها، لهذا فقد أصبح العجز في المالية العامة مصدرا استثماريا للصناديق التي تعمل في السوق وتدر عوائد جيدة على المواطنين.
إنشرها