FINANCIAL TIMES

«صفقة القرن» يجب أن تضع حقوق الفلسطينيين في مركز الاهتمام

«صفقة القرن» يجب أن تضع حقوق الفلسطينيين
في مركز الاهتمام

بعد أكثر من قرن على الصراع بين الحركة الصهيونية اليهودية والحركات العربية الفلسطينية في الإقليم الواقع بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، باتت هناك حاجة ملحة إلى اتباع نهج جديد لتحقيق السلام والعدل لجميع الأشخاص الذين يسمونه موطنهم.
منذ تأسيس دولة إسرائيل في 1948، كانت الولايات المتحدة جهة فاعلة لا غنى عنها في المنطقة. وقد تعزز أمن إسرائيل من خلال اتفاقيات السلام السابقة التي رعتها الولايات المتحدة، وأبرزها اتفاقية كامب ديفيد التي توسط فيها الرئيس الأمريكي "الأسبق" جيمي كارتر عام 1978.
واليوم، يمكن القول إن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي له تأثير حاسم في كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. لذا هناك اهتمام عالمي مكثف بـ "صفقة القرن" المزعومة التي من المتوقع أن يعلن عنها الرئيس دونالد ترمب خلال الأسابيع المقبلة. وفي هذا السياق، من الجدير إعادة النظر في التصريحات التي أدلت بها العام الماضي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، لمجلس العلاقات الخارجية في العاصمة واشنطن.
قالت "لا يمكن تحقيق الأمن والسلام بمعزل عن حقوق الإنسان. الأشخاص اليائسون الذين يتعرضون للإذلال والعنف سيلجأون إلى العنف لا محالة. الأشخاص الذين سلبت منهم إنسانيتهم وكرامتهم سيريدون الثأر حتماً". ولا يسع المرء إلا أن ينظر إلى تاريخ الشعب الفلسطيني خلال الـ 70 عاماً الماضية ليرى مقدار الحقيقة في كلماتها.
وكما يعرف الأمريكيون من تاريخهم، الشعب المحروم من الحرية والكرامة لن يهدأ أبداً. ولن يقبل بخنوع تسوية مفروضة من أطراف خارجية تعيد رسم الحدود وتعيد تعريف السيادة دون قبول شعبي. أي نهج جديد لصنع السلام يجب أن يكون موضع ترحيب من حيث المبدأ. يجب أن يكون المجتمع الدولي صريحاً: على الرغم من المحاولات المتفانية التي امتدت إلى عقود من الوسطاء الخارجيين، بما في ذلك الإدارات الأمريكية السابقة ومبادرة السلام، ما زالت المشكلة مستعصية كما كانت دائماً.
يمكن لخطة أمريكية جريئة جديدة أن تكسر الجمود وتشجع السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين على أن يكونوا جريئين بالقدر نفسه في النهج الذي يتبعونه لصنع السلام. لكن إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية للنزاع، بما في ذلك انتزاع التاريخ، وتوسع الاستيطان غير القانوني، ووضع القدس باعتبارها عاصمة مشتركة، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، فسيكون مصير الصفقة الفشل.
المساعدات الاقتصادية والحوافز المالية لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال مشاريع البنية التحتية هي موضع ترحيب، لكن المحاولات السابقة لتحقيق السلام من خلال التجارة والتنمية بدون تقدم سياسي لم تنجح. حاول كل من جيمس وولفنسون وتوني بلير، بصفتهما مبعوثين سابقين، تحفيز النمو، لكن بدون حرية الحركة للسلع والعمال الفلسطينيين لا يزال التقدم شحيحاً.
واليوم يوجد دليل ضعيف في الكنيست، وكذلك في جانب السلطة الفلسطينية أو قيادة حماس على وجود الشجاعة اللازمة للإمساك بزمام الأمر السياسي والعمل من أجل المصلحة العامة. البيئة الأمنية والجيوسياسية الأوسع في الشرق الأوسط متقلبة أيضاً بشكل لم يسبق له مثيل، حيث لا تزال الصراعات الدموية مستمرة في سورية واليمن، والتوترات الطائفية بين السنة والشيعة وصلت إلى مستويات عالية بشكل خطير.
ولكي تنجح الخطة المقبلة يجب أن تجتاز ثلاثة اختبارات. هل هي خطة يمكن أن تضع نهاية حاسمة للنزاع؟ هل ستكون مقبولة من جانب الشعب الفلسطيني ككل – وليس فقط قيادته؟ هل سيتم السماح لدولة فلسطينية متحدة، متصلة جغرافيا، ولها السيادة على العناصر الأساسية للدولة – الأمن الداخلي، والحدود، والسيطرة على السكان – بالنمو والازدهار؟ ويجب أن تكون الخطة متجذرة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
أنا مؤيد بشدة لحق دولة إسرائيل في الوجود. ومتشدد بالقدر نفسه في دعمي لحق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم. والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي حل قائم على وجود دولتين يحقق الأمن للإسرائيليين والعدالة والازدهار للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
ولتحقيق هذا الحل، يجب على جميع الأطراف أن تتحرك بشكل عاجل وبحسن نية. منذ ما يقارب 30 عاماً شهد العالم صفقة قرن أخرى– الاتفاقية بين نيلسون مانديلا وفريديريك ويليم دي كليرك لإنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. كان النهج الذي اتبعه مانديلا في صنع السلام مدفوعاً بالتزام ثابت بالعدالة، لكنه مملوء أيضاً بقيمه الإنسانية المتمثلة في التسامح، والاحترام، وكرم الأخلاق حتى تجاه سجانيه السابقين.
وبينما يجتمع الناس مع بعض للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على مولد نيلسون مانديلا، آمل أن ترشد روحه أولئك الموجودين في واشنطن وتل أبيب ورام الله وغزة ليتمتع الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بذلك السلام الدائم.

* الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة
والرئيس الحالي لمنظمة الشيوخ
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES