FINANCIAL TIMES

قلق في وادي السيليكون من تداعيات الحرب التجارية

قلق في وادي السيليكون من تداعيات الحرب التجارية

المخطط الذي يستهدف تحقيق النفوذ العالمي للشركات الأمريكية في كثير من الصناعات كان واضحا: بناء النطاق في أكبر سوق محلية في العالم، ومن ثم ركوب موجة جيوسياسية مواتية للوصول إلى العالمية.
استفادت شركات التكنولوجيا الأمريكية من هذه اللعبة بقدر ما استفادت أي شركة أخرى. لكنها تواجه الآن واقعا مزعجا: الصين في طريقها إلى تحقيق الانتصار على الولايات المتحدة في مجالها هي بالذات.
الأنباء الواردة الأسبوع الماضي، التي تفيد بأن "جوجل" تحاول العودة مرة أخرى إلى الصين من خلال خدمة بحث خاضعة للمراقبة هي دليل صارخ على مقدار الأمور الموجودة على المحك. عندما غادرت "جوجل" الصين في عام 2010، بدلا من مواصلة فرض الرقابة من قبلها على النتائج الخاصة بها، كانت مدعومة بأكثر من مجرد الإحساس الذاتي بالفضيلة: كان هناك اعتقاد عام سائد في وادي السيليكون بأن القيود السياسية في الصين يمكن أن تَضعف بعد أن يتطور اقتصادها، وأن العلامة التجارية الأمريكية في رأسمالية الإنترنت ستترسخ حتما.
بعد مضي ثماني سنوات، لا يبدو الانتشار العالمي للديمقراطية الليبرالية أمرا حتميا إلى هذه الدرجة، كما تحولت سوق الإنترنت في الصين من كونها سوقا منعزلة صغيرة لتصبح أكبر سوق في العالم، على الأقل من حيث أعداد المستخدمين. ومحاولة "جوجل" العودة مرة أخرى إلى الصين من خلال "مشروع دراجونفلاي" Project Dragonfly، الذي كُشف النقاب عنه لأول مرة على موقع صحيفة "ذي إنترسبت" The Intercept الإلكتروني، تبين مدى التغيير العميق الذي طرأ على الحسابات.
هل بإمكان شركات التكنولوجيا الأمريكية اليوم أن تأمل المحافظة على مكانتها على الصعيد العالمي وعلى المدى الطويل من دون حصولها على مركز قوي في الصين؟ وإن لم تستطع، فكيف يؤثر المناخ السياسي الآخذ في التدهور بين البلدين في محاولاتها الرامية إلى ترسيخ جذور محلية أعمق – وهي ليست من المهمات السهلة حتى في أفضل الأوقات؟
كان واضحا مدى الانزعاج من خلال التعليقات التي قدمها الأسبوع الماضي تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، حول العلاقات التجارية التي تربط بين الصين والولايات المتحدة. أصبحت المبيعات في الصين عاملا رئيسيا يؤثر في نتائج "أبل". بعد 18 شهرا من الانخفاض المتواصل بالمعدل السنوي، انتعش النمو ليحقق أرقاما قياسية خلال الأشهر الأربعة الماضية وتستأثر الصين الآن بما نسبته 18 في المائة من إيرادات "أبل".
استعرض كوك المشهد الحالي للرسوم الجمركية قبل التوصل إلى أن هناك "تبادلية حتمية" بين البلدين تجعل من الحتمي توصلهما إلى تسوية فيما يتعلق بالتجارة.
بدا الأمر كأنه أفكار قائمة على التمني، على الأقل في ظل المناخ السياسي الحالي. المنتجات المشمولة ضمن الموجة المقبلة من الرسوم الأمريكية المفروضة على الواردات الصينية لا تشمل أجهزة آيفون أو أجهزة ماك – لكن العقوبات المالية تطول بالتأكيد الساعات الذكية والأجهزة الصوتية التي تنتجها الشركة، وتهديدات التصعيد زادت بالفعل من احتمال تأثر جميع الواردات الصينية.
انزعاج كوك هو أيضا علامة على إمكانية انتقام الصين الذي سيحد من انتعاش شركة أبل في البلاد. فهي تواجه في الأصل منافسة متزايدة هناك، ولا سيما مع اندفاع كل من "هواوي" و"تشياومي".
في الأسبوع الماضي تفوقت "هواوي" على "أبل" من حيث كونها ثاني أكبر شركة لإنتاج الهواتف الذكية في العالم، في حين احتفظت شركة سامسونج الكورية الجنوبية بموقعها في الصدارة. وكان ذلك في جزء منه نتيجة للتوقيت – فهذا عادة أضعف ربع في العام بالنسبة إلى شركة "أبل"، في الوقت الذي تستعد فيه لدورة "الآيفون" المقبلة. كما كان ذلك نتيجة أيضا لأخذ "هواوي" مبيعات من الشركات الأصغر حجما، غالبا في الأجزاء ذات السعر الأقل من سوق أجهزة الهاتف، بدلا من أخذها المبيعات من "أبل". في الواقع زادت أجهزة "آيفون" من حصتها السوقية قليلا عما كانت عليه قبل عام مضى.
لكن هذا لا يغير من حقيقة أن المنافسة الصينية أصبحت أقوى – وليس فقط في مجال الهواتف الذكية. أصبح التهديد هو الأقوى في الأسواق التكنولوجية الكبيرة المقبلة، حيث تبدأ الشركات في الصين من مكانة مساوية، مستفيدة من وجود سياسة صناعية محلية مواتية بقوة.
المثال على ذلك هو السيارات الكهربائية. أشار إيلون ماسك الأسبوع الماضي إلى أن الصين أصبحت منذ فترة "أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم". فقد استأثرت بما نسبته 17 في المائة من مبيعات شركة تسلا العام الماضي. لكن فرض رسوم جمركية بنسبة 40 في المائة على واردات السيارات من الولايات المتحدة – تم فرضها أخيرا ردا على الرسوم المفروضة من قبل واشنطن – جعلت ماسك يقول "إن شركة تسلا ربما تبدأ في تحويل الشحنات إلى أسواق أخرى للحفاظ على أهداف النمو الخاصة بها".
ليس بمقدور شركة تسلا أن تتحمل خسارة المبيعات في الصين تماما في اللحظة التي تحتاج فيها إلى ترسيخ جذورها. شركات صناعة السيارات الكهربائية التي ستفوز في سباق الحصة السوقية في الصين من المحتمل أن تولد وفورات كبيرة من الحجم تساعدها على الفوز في أسواق دولية أخرى.
اتخذت شركة تسلا على الأقل خطوة مهمة هذا العام باتجاهها إلى إنشاء منصة إنتاج عالمية، مع إبرام اتفاقية لبناء مصنع لتجميع المركبات والبطاريات مملوك للشركة بالكامل في شنغهاي. لكن لا يزال أمامها طريق طويلة هناك قبل أن تحصل على جميع التصاريح التي تحتاج إليها، أو أن تتمكن من جمع ملياري دولار من المصارف المحلية، يقول ماسك "إنه يحتاج إليها لتمويل المشروع".
هجوم البيت الأبيض على الممارسات التجارية في الصين – الذي بدأ، ظاهريا بهدف مساعدة قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة – لا يظهر أي دليل على تهدئة الوضع. بالنسبة إلى الشركات التي كان من المفترض أن تكون هي المستفيدة، المخاطر آخذة في الازدياد. ومن الصعب أن نرى في نهاية المطاف نوعا من المقايضة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES