أشهر الحج

لم يكد موسم الخيرات الرمضانية يغادرنا حتى تواصى الناس على صيام ست من شوال. وها هي أشهر الحج تظلنا في مسيرة التقرب من رضا المولى جلت قدرته. هذه الأشهر التي تتصاعد فيها الدعوات إلى التقارب الإسلامي والمودة بين المسلمين، الذين يؤم جزء منهم أرض الحرمين الشريفين ليقوموا بأقدس رحلة عرفتها البشرية. رحلة الحج التي كتب عنها كثيرون، واستمتع بها مئات الملايين، وهي حلم يراود كل مسلم، تأتي كل عام لتشهد مزيدا من الدعوات بالأمن والسلام للأمة الإسلامية وللعالم. هذه الرحلة، وما تشير إليه في كل مراحلها، وهيئة رحالتها، تدل على هذه الوحدة والبساطة والتذلل الأكمل للخالق العظيم، واعترافا بأهم ما خُلِق من أجله الإنسان، والغرض الأهم، وهو عبادة الله، وإعلاء دينه في أرضه. تأتي هذه الرحلة لتعلن للجميع أن مكة المكرمة والمدينة المنورة منارتا الإسلام ومنبع الرسالة. تؤكد رحلة الحج أن من أهم ما على المسلمين من الواجبات هو حماية هاتين المدينتين، وما تعنيانه من مفاهيم وقيم بدأها إبراهيم عليه السلام، وتولى أنبياء الله ورسله الحفاظ عليها، حتى أكدها خاتم الأنبياء، محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - حين حج وأرى الناس مناسكهم، وعلمهم كيف يؤدون تلك العبادة، التي ورثوها عن نبي الله إبراهيم الخليل، بما فيها من الدلالات العظيمة، التي أُلِّفت فيها المجلدات، وسار بها الركبان. تحظى المدينتان العظميان اليوم بالاهتمام والرعاية القصوى من خادم الحرمين الشريفين، الذي اتخذ من خدمتهما شعارا ومنهجا سار عليه، وحافظ على قدسيته وأهميته، بعد أن ورث هذه المسؤولية الكبيرة، وهذا يؤكد ما لا يحتاج إلى تأكيد من سيادة هذه الدولة، ومسؤوليتها التاريخية، وأهمية مركزية في العالم الإسلامي، ولعل أبناء المملكة يلاحظون إيمان الأمة بهذه المفاهيم عندما يسافرون لأي من دول العالم المسلم، التي لا تزال بعيدة عن التجاذبات السياسية العقدية البغيضة. يلزمنا هذا كله بما يجعل أداءنا للرسالة قيمة ورسالة أكثر منه واجبا دينيا وأخلاقيا، وهو ما تراه - قارئي العزيز - كل يوم وأنت تشاهد القنوات التي تنقل تلك العناية حقيقة للمشهد العام. العناية والاهتمام هو قاعدة وأساس هنا، ولهذا فستبقى هذه الدولة رائدة العالم الإسلامي، وممثلة لحقائق ضمان الوحدة الإسلامية والانتماء إلى هذا الدين الحنيف. أسأل الله أن ييسر على ضيوفه رحلتهم، وأن يعين كل من يعملون لتحقيق أحلام الحجاج بتوفيقه، ويديم على هذه البلاد أمنها ورخاءها وعقيدتها الإسلامية.