FINANCIAL TIMES

بسياسة مضرب الكريكيت .. خان يتعهد بإعادة هيكلة باكستان

بسياسة مضرب الكريكيت .. خان يتعهد بإعادة هيكلة باكستان

بسياسة مضرب الكريكيت .. خان يتعهد بإعادة هيكلة باكستان

كان الحشد المتجمهر تحت الجسر العلوي لشارع ذوكار نياز بيج ينتظر خلال فترة الليل الحارة والرطبة في لاهور، منذ أكثر من ساعة عندما ظهر أخيرا عمران خان، الذي صعد على سطح حاوية شحن، بسرواله وقميصه الأبيضين الفضفاضين، وهو يتكئ على الجسر الحديدي ليحيي مئات الأشخاص المؤيدين له، الذين يلوحون بالأعلام.
ثم صرخ قائلا: "هذه هي لحظة التغيير لباكستان. سأقدم لكم باكستان الجديدة، باكستان المختلفة".
خان، كابتن الكريكيت الأسبق ذو الشخصية الجذابة في البلاد، كان يعمل خلال الأسابيع القليلة الماضية على إيصال الرسالة نفسها في مسيرات جابت شوارع المدينة، وتجتذب حشودا مكونة من عدة آلاف من الأشخاص خلال ما يقول مساعدون إنها انتخابات عامة مرهقة مريرة بين المتنافسين.
مر أكثر من 20 عاما منذ أن بدأ أول مرة تنظيم حملات لإنهاء ما يقول إنه الفساد المستشري في باكستان، وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه على وشك تحقيق الفوز في الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء الماضي، التي فاز بها بنحو 115 مقعداً من أصل 251 مقعداً.
لقد كان يرجو تحقيق الفوز عام 2013، لكنه حصل على المركز الثالث، إذ جاء على مسافة بعيدة من المرشحَين الأولين، مع قول المحللين إنه أمضى كثيرا من الوقت فوق الحد، وهو يلقي الخطابات أمام مسيرات من الجماهير، ولم يقدم ما يكفي لتشكيل التحالفات السياسية.
هذه المرة، حيث خصومه الرئيسون عالقون في ادعاءات الفساد، وقيادة ما يقول الخبراء إنها كانت حملة أذكى مما فعل سابقا، حصل هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 65 عاما على أفضل - ولربما آخر - فرصة له للوصول إلى السلطة. كما يقول النقاد إنه حصل أيضا على دعم ومساندة العسكر الأقوياء، وهو أمر ينفيه خان.
بعد تعرض هذا البلد الواقع في جنوب آسيا لعام صاخب، تمت خلاله إقالة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف من منصبه وسجنه بتهم تتعلق بالفساد، يبدو وكأن النتيجة كانت تبشر في الأصل، سواء أفاز خان أم لم يفز، بتغيير سياسة باكستان إلى الأبد.
انتصار خان وحزبه "حراك الإنصاف" من شأنه أن يضع حدا لعقود من الهيمنة التي فرضتها عائلتا بوتو وشريف، بجملة من الأعضاء الذين خدموا في منصب الوزارة أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية خلال الفترة منذ عام 1970. ومن شأنه أيضا أن يشير إلى أن الولاءات العشائرية القديمة، التي كانت تقرر مصير الانتخابات في البلاد منذ عقود، باتت آخذة في الانهيار.
يقول خان في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز، وهو يجلس في المقعد الأمامي لسيارته، بينما يتنقل من موقع حملة انتخابية إلى آخر: "إن حققنا النصر، فسيكون هذا نهاية لحقبة زمنية – نهاية لاثنتين من عصابات المافيا الراسخة في البلاد. كان لديهما هذا النظام الكامل من الرعاية، لكنه آخذ في الانهيار الآن".
يلخص هوما باكاي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كراتشي جاذبية خان على النحو التالي: "هو الأمل وسط اليأس. ليست لديه أي تجربة سياسية سابقة، وقد ارتكب أخطاء كبيرة، لكننا حاولنا تجربة الحزبين السياسيين الرئيسين، غير أنهما لم يقدما أي شيء".
لو انتصر خصمه، شهباز شريف، فإن من شأنه أن يساعد على إبقاء عائلة شريف في السلطة، لكنه كان أيضا سيضع حدا للوضع السياسي الراهن.
أثناء توليه منصبه، تحدى شقيقه نواز شريف المسجون، الجنرالات من خلال تقديم برنامج للتحرير الاقتصادي، ومحاولات متعثرة لتحسين العلاقات مع الهند. قال شهباز شريف لصحيفة فاينانشيال تايمز إنه يريد تحسين العلاقات مع الجيش.
إلا أن انتصار حزبه "رابطة المسلمين" في مواجهة ما يقول الأنصار إنه كان تدخلا واسع النطاق في الانتخابات من قبل الجيش، من شأنه أن يضع الجيش في موقف سياسي أضعف مما كان عليه منذ عقود.
النتيجة ستكون ذات أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة بعد قرار الرئيس دونالد ترمب إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان، في محاولة لإنهاء أطول حرب أمريكية على الإطلاق.
ستتطلب تلك الخطوة مزيدا من الدعم من جانب باكستان، بحسب ما يقول المحللون – وهو أمر من المرجح أن يأتي من جانب شهباز شريف أكثر مما هو من جانب خان، الذي يشتكي من السياسة الأمريكية في أفغانستان، خاصة أنه قد انتقد مراراً الإدارات السابقة في إسلام آباد لتعاونها مع واشنطن.
يقول بول ستانيلاند، أستاذ مشارك للعلوم السياسية في جامعة شيكاغو: "الخطر الذي يتعرض له الجيش هو أنه في حال فوز حزب رابطة المسلمين، حينها سيكون الميدان جاهزا لحصول مواجهة خطيرة. وهذا يمكن أن يشمل قضايا جوهرية تتعلق بالأمن القومي مثل العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، حيث يكون الاحتمال أعلى لحدوث صراع عسكري مدني شديد".
بينما تسرع مركبته الرياضية السوداء وهي تسير عبر شوارع لاهور ضمن قافلة عسكرية، يسترخي خان واضعا جسده الذي يبلغ طوله ستة أقدام على المقعد الجلدي، ويبدأ في التحدث بنغمات مرخمة تصدر عن شخص تعلم في جامعة أكسفورد. يقول حول جمهور الصحافيين الذين اصطدم بهم أثناء ركوبه السيارة: "هل تعتقد أن هذا جنوني؟ هذا لا يعد شيئا مقارنة بما ستراه فيما بعد".
يبدو أن أنصاره متحمسون أيضا. يقول محمد بيرفايز، خياط يعمل في لاهور، عاصمة البنجاب ومعقل رابطة المسلمين، بينما يراقب خان وهو يتكلم: "عمران خان رجل جدير بالثقة، أما الآخرون فهم ليسوا كذلك. هو أول سياسي لدينا ممن يرتقي إلى معايير الدستور".
خان لا يعتمد على حماس قاعدته الجماهيرية فحسب لتمكينه من تحقيق النصر. قضية الفساد التي تقدم بها ضد نواز شريف، والتي انتهت بسجن رئيس الوزراء الأسبق، عملت على تعزيز صورته كأحد أنصار مكافحة الفساد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES