FINANCIAL TIMES

الصين تستخدم ورقة الولاية القضائية لعرقلة صفقة استحواذ أمريكية

الصين تستخدم ورقة الولاية القضائية لعرقلة صفقة استحواذ أمريكية

في أواخر أيار (مايو)، وصل فريق من محامي "كوالكوم" إلى بكين لإبرام اتفاق مع الأجهزة الصينية المنظمة للمنافسة، متفائلين بأنهم سيزيلون قريبا العقبة الأخيرة أمام استحواذ مقترح من جانب شركة أشباه الموصلات على شركة إن إكس بي NXP الهولندية مقابل 44 مليار دولار.
بعد ثلاثة أيام فقط، تحطمت آمال "كوالكوم" في إكمال الصفقة. في 29 أيار (مايو) أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن إدارته ستستمر في فرض رسوم عقابية على صادرات صينية قيمتها 50 مليار دولار، ناقضا بذلك تأكيدات سابقة لوزير الخزانة، ستيفن منوشين، ونائب رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، بأن أكبر اقتصادين في العالم سيتراجعان عن شفا حفرة حرب تجارية.
قال أحد الأشخاص الذين اطلعوا على المناقشات التي جرت في بكين: "تم حل جميع القضايا الفنية. من وجهة نظر كوالكوم، تم إنجاز كل ما هو مطلوب". لكن جاءت بعد ذلك قنبلة ترمب التجارية. وأضاف الشخص قائلا: "الأجهزة المنظمة بدأت في قول أشياء على غرار ’رئيسكم أحرج ليو هو‘، و ’أثار استياء الشعب الصيني‘ وما إلى ذلك".
في منتصف ليل الأربعاء بتوقيت نيويورك، انحنت كوالكوم أمام الأمر المحتوم. وفي الوقت الذي كانت موافقة الصين على الصفقة لا تزال معلقة، أعلنت الشركة أنها لن تمضي قدما في صفقة "إن إكس بي". وقبل ساعات فقط من الموعد النهائي الذي حددته الشركة لهذه الصفقة، قال ستيف مولينكوبف، الرئيس التنفيذي لكوالكوم: "من الواضح أننا علقنا في شيء أكبر منا".
من خلال عدم اتخاذ إجراء مع اقتراب الموعد النهائي، لم تقتل الحكومة الصينية فقط صفقة لشركة كوالكوم كانت ستغير وجه الأمور، بل من المحتمل أيضا أنها غيرت مشهد عمليات الاندماج والاستحواذ لشركات التكنولوجيا الأمريكية في المناخ السياسي الحالي، الذي من غير المرجح أن يتحسن في المستقبل القريب.
يمكن للأجهزة الوطنية الخاصة بمكافحة الاحتكار في جميع أنحاء العالم مراجعة صفقات الاندماج والاستحواذ، إذا كانت الشركات المعنية لديها أعمال تجارية مهمة في البلاد، لكن الصين لم تمارس هذا الحق إلا في السنوات الأخيرة.
فمنذ السادس من تموز (يوليو)، عندما فرضت إدارة ترمب شريحة أولى من الرسوم الجمركية على ما قيمته 34 مليار دولار سنويا من الواردات من الصين، كرر الرئيس الأمريكي عزمه على دراسة فكرة فرض رسوم عقابية على جميع الصادرات الصينية إلى أمريكا – تجاوزت قيمتها 500 مليار دولار في العام الماضي. في حالة اندلاع حرب تجارية كاملة، قد لا تستطع الصين الرد بالمثل لأنها لا تستورد المقدار نفسه من الولايات المتحدة وستضطر للنظر في أشكال أخرى من الانتقام. لعب دور المخرب التنظيمي في صفقات كبيرة واستراتيجية أمريكية، مثل صفقة كوالكوم، هو أحد الخيارات.
قال جيف بلابير، المحلل في شركة سي سي إس إنسايت CCS Insight، إن رفض الصين الموافقة على الصفقة يضع "ضوءا أحمر كبيرا على أي عمليات اندماج واستحواذ كبيرة في صناعة أشباه الموصلات على المدى القصير". وأضاف: "من الواضح أن الأمور التي على المحك في مجال التكنولوجيا كبيرة جدا جدا، خاصة بالنظر إلى أن أشباه الموصلات تمثل أولوية استراتيجية ضخمة للصين. واقتران ذلك مع (...) الحرب التجارية بأكملها يعني أن كوالكوم أصبحت ضحية للمناخ الأوسع".
وكان قد تم الإعلان عن صفقات اندماج واستحواذ بأكثر من 200 مليار دولار في صناعة أشباه الموصلات في 2015 / 2016، بما في ذلك كوالكوم و"إن إكس بي"، حيث كانت شركات صناعة الرقاقات الأصغر تسعى إلى الحصول على السلامة الناتجة عن توسيع النطاق، والشركات الكبيرة تتطلع للتنويع في ظل التباطؤ في قطاعي الكمبيوتر الشخصي والهواتف الذكية، ويحاول الجميع إعداد نفسه لظهور الجيل الخامس؛ الجيل التالي من التكنولوجيا اللاسلكية التي ستشهد أول طرح لها في وقت لاحق من هذا العام.
يقول فيجاي راكيش، محلل أشباه الموصلات في بنك ميزوهو: "تباطأ النشاط بشكل ملحوظ. الآن وصلنا إلى حد كبير إلى التوقف المفاجئ".
بدأت كوالكوم و"إن إكس بي" الحديث عن الاندماج في أوائل عام 2016، عندما كانت شركة تصنيع الرقائق الهولندية تبحث عن مشتر لقسم الشبكات الرقمية لديها. وبحلول حزيران (يونيو) 2016 كان الرئيسان التنفيذيان للشركتين يناقشان استحواذا على "إن إكس بي" بالكامل.
كان ينبغي أن يكون إبرام الصفقة سهلا، مع وجود تداخل محدود بين محفظتي منتجات الشركتين، وبالتالي هناك قليل من المخاوف المتعلقة بالمنافسة. قبل أن تتعثر الشركتان في بكين، تمت الموافقة على صفقتهما في ثماني ولايات قضائية أخرى. لكن الصفقة التي بدأت إجراءاتها قبل أن يتم انتخاب ترمب رئيسا ستصبح في النهاية واحدة من أبرز ضحايا السياسات التجارية العدوانية التي تنتهجها إدارته.
من الناحية الفنية، لم تمنع الحكومة الصينية الصفقة. بعد إصدار تعليمات لشركة كوالكوم بإعادة تقديم طلب الموافقة في منتصف نيسان (أبريل)، كان لدى إدارة الدولة للقانون التنظيمي للسوق ستة أشهر لإصدار حكم نهائي.
لكن صمت الصين بشأن الصفقة ألقى بظلاله على كثير من الصفقات المقبلة التي ستقع تحت اختصاص الهيئة التنظيمية الصينية. المستثمرون الذين أنشأوا حصة في "إن إكس بي" عانوا كثيرا من تفكك عمليات الاستحواذ، والآن يرون في وجود الصين في السوق العالمية عامل خطر رئيس.
قال مدير استثمار كان له مركز كبير في "إن إكس بي": "لقد فوجئنا بالأمر تماما". وأشار إلى أن إضافة الصين إلى القانون التنظيمي العالمي لعمليات الاندماج والاستحواذ "زادت للتو من صعوبة هذا العمل إلى درجة كبيرة للغاية". وذكر المستثمر أن أكبر صفقة في التاريخ في مجال الطيران والفضاء، وهي عملية استحواذ "يونايتد تكنولوجيز" على "روكويل كولينز" مقابل 23 مليار دولار لابد وأن تحصل أيضا على الفسح التنظيمي لإبرامها بحلول الموعد النهائي في أيلول (سبتمبر).
ووفقا لأشخاص تم إطلاعهم على المحادثات التي جرت في بكين في أيار (مايو) الماضي، أشار مسؤولون صينيون إلى أنهم سيفسحون صفقة كوالكوم "إن إكس بي" مقابل استعداد ترمب لرفع عقوبات مؤذية مفروضة على ZTE، شركة الاتصالات الصينية التي اعترفت بانتهاك الحظر الأمريكي على صادرات التكنولوجيا إلى إيران وكوريا الشمالية. ودعمت كوالكوم قضيتها في بكين من خلال الضغط بهدوء من أجل إعفاء ZTE ـ التي كانت أيضا عميلا مهما ـ من العقوبات.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES