Author

لا تغضب

|
لعل هذه النصيحة النبوية مستحقة اليوم بكل ما تحمله من معان. عندما أكد النبي - عليه الصلاة والسلام - على سائله الشاب عدم الغضب، رغم سؤاله ثلاث مرات، كان هذا تأكيدا على أن فورة الشباب، والوصول إلى الاستنتاجات غير الدقيقة، ومحاولة الانتصار في كل خلاف ومسألة، وجعل كل شيء مرتبطا بالذات والكبرياء والاحترام - أمور تودي بحياة المرء، وقد تنهي مستقبله. أقول هذا ونحن في عصر اختلطت فيه الأمور، وأصبح الناس يتقاتلون لأدنى خلاف مهما صغر، بل إن العاهة أصابت حتى الدول، فنرى حالات من الصراع لم نكن لنراها في أزمنة مضت. الحديث عن المستوى الأكبر ليس هذا مكانه، ما أريد أن أنبه إليه هنا، هو الكم غير المسبوق من نتائج الغضب من الأحداث الجسيمة، التي يَتَّمَتِ الأطفال، وسجنت الكبار، وشغلت المستشفيات وأجهزة الأمن، ليس في بلادي فقط، إنما على مستوى العالم. شاهدت بالأمس خلافا سهلا، كان سببه طلبا لأمر غير مستحق قوبل بالرفض، ثم تطور الأمر للإمساك بتلابيب الخصم، وانتهى بقتيل، ومجموعة من المصابين في المستشفيات، وحرقة للآباء والأمهات، وضياع للأطفال وسنين شباب لم يكن لهم أن يضيعوا لو توقف كل منهم وتعوذ من الشيطان، والتمس لأخيه العذر مئات المرات وليس مرة أو مرتين. أصدقكم أن أغلب هذه الحالات ناتج عن سوء فهم لمقصد شخص آخر، أو نظرة فوقية للآخر، وكلاهما جريمة لا يمكن أن نقبل لأنفسنا الوقوع فيها. أكتب في هذا الأمر رغم علمي أنني قد لا أغير كثيرا، لكنني أنبه إلى أمر مهم، وهو دعوة الجميع - وأولهم نفسي - بالتماس الأعذار، وقبول حقيقة أنه يمكن أن يناقش الأمر مرة أخرى، وفي وقت مختلف، تكون فيه النفوس قد هدأت. كما أدعو إلى التفكير في ضغوط العصر على الآخرين، واستمرار ظهور مزيد من المؤثرات الذهنية والنفسية والبدنية في كل من نتعامل معهم، سواء رضينا أو أبينا. لنناقش الأمر غدا أو في وقت آخر، عبارة سحرية سمعتها بالأمس، جعلتني أعيد التفكير في كل الحالات التي كنا نحاول أن نصل إلى حلولها اليوم وليس غدا، فنضغط على أنفسنا وعلى الآخرين للوصول إلى حلول قد تبدأ من خلالها كوارث، أو تدخل الناس في صراع أفكار يتحول إلى صراع بالأيدي وأكبر من ذلك.
إنشرها