FINANCIAL TIMES

جماعة «خروج بريطانيا» أنقذوا سفينة الاتحاد الأوروبي من الغرق

جماعة «خروج بريطانيا» أنقذوا سفينة الاتحاد الأوروبي من الغرق

من الصعب أن نتذكر ذلك الآن، ولكن حتى وقت قريب جدا كان كثير من الناس يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى بدء تدافع للخروج من الاتحاد الأوروبي. بعد التصويت البريطاني رسم السياسيان الأوروبيان، مارين لوبن وجيرت ويلدرز، برنامجا يهدف إلى تكرار النتيجة في فرنسا وهولندا. في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 زعقت صحيفة "ديلي إكسبرس" البريطانية: "أوروبا في ورطة في الوقت الذي تستعد فيه البلدان في أنحاء القارة لإجراء استفتاءاتها الخاصة على عضوية الدولة الكبرى".
ثم وصل دونالد ترمب ليُدخِل مؤيدي "خروج بريطانيا" إلى مستقبل التجارة الحرة المجيد. قبل توليه منصبه بفترة قصيرة طمأن مايكل جوف، المؤيد لخروج بريطانيا، في مقابلة صحافية قائلا: "أنا من المعجبين كثيرا بالمملكة المتحدة. وسنعمل جاهدين لتحقيق (صفقة تجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) يتم تنفيذها بسرعة وبشكل صحيح". في شباط (فبراير) قارن ماتيو سالفيني، زعيم حزب "رابطة الشمال" اليميني المتطرف في إيطاليا، الاتحادَ الأوروبي بسفينة "تايتانيك على وشك أن تغرق". عندما ساعد سالفيني على تشكيل حكومة مناهضة للتكامل الأوروبي هذا الربيع، توقع حتى بعض الأشخاص العقلانيين أن تغرق سفينة الاتحاد الأوروبي.
لكن منذ ذلك الحين اختفت المخاطر. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى أننا نعرف الآن شيئًا واحدًا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: سيكون فاشلا، بمعنى أنه سيزيد حياة البريطانيين سوءًا. خروج بريطانيا أنقذ الاتحاد الأوروبي.
في معظم الأوقات، يبدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أشبه بأسوأ المسلسلات الكوميدية البريطانية على الإطلاق: شخصية رئيسة روبوتية تتنافس مع شخصين بريطانيين من ذوي الأطوار الغريبة. وحجج بيروقراطية لانهائية. وتقريبا لا يوجد أي تقدم في حبكة الرواية. لكن في هذا الشهر حدث شيء ما في النهاية: مجلس الوزراء البريطاني الذي اجتمع في تشيكرز، المقر الريفي لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، تخلص من خروج بريطانيا "الصعب". كان هذا هو الوهم (أو "الحلم"، بحسب بوريس جونسون) المتمثل في أن المملكة المتحدة ستترك جميع المؤسسات الأوروبية وتتجول بالطائرات النفاثة حول العالم لتوقع صفقات تجارية مذهلة. بعد قرار مجلس الوزراء، استقال عدد من كبار المحافظين، لكن ليس لديهم حتى أغلبية داخل حزبهم لإحياء خروج بريطانيا الصعب، خاصة أن شريكهم في وهم التجارة بدأ للتو حربًا تجارية دولية.
وهذا يترك للمملكة المتحدة ثلاثة خيارات: أولا، خروج بريطاني "ناعم"، ما يعني أن تدفع بريطانيا المال للاتحاد الأوروبي من أجل الامتثال لجميع قواعده تقريبًا، وقبول "وضع المستعمرة"، كما يقول جونسون، والتخلي عن الصفقات التجارية. ثانيا، خروج بريطاني من دون أي صفقة: الخروج من الاتحاد الأوروبي، والوقوف طوابير عند الحدود، وإيقاف الرحلات الجوية، ويتولى سلاح الجو الملكي تقديم الطعام والأدوية وهلمجرا. ثالثا، عدم الخروج.
أيًا كان الخيار، فإن النتيجة النهائية واضحة الآن: الإذلال البريطاني. سيلقي مؤيدو خروج بريطانيا باللائمة على ماي والاتحاد الأوروبي، بينما يلقي مؤيدو بقاء بريطانيا باللائمة على "خروج بريطانيا"، لكن الطرفين سيوافقان على أنه إذلال. وبالنظر إلى ذلك، عليك حقا أن تحب سيادة القرن التاسع عشر (أو تعتبر نفسك خارج الاقتصاد، وهذا ربما يعني التقاعد) حتى تبقى محافظا على تأييدك لخروج بريطانيا.
منذ فترة طويلة يشعر معظم الأوروبيين بالملل من موضوع "خروج بريطانيا"، لكن يعود الفضل جزئيا إلى هيمنة الناطقين باللغة الإنجليزية على المجال العام الأوروبي، فهم يدركون بشكل غامض أن العقول البريطانية المدبرة واقعة في مأزق الآن. تسافر هذه المسرحية الهزلية إلى القارة بطريقة لا يمكن أن تفعلها لو كانت تُعرض في ألمانيا، التي تظل صندوقًا أسود غامضًا لمعظم الأوروبيين. حتى إنني لاحظت، أثناء تغطية كأس العالم، أن بوريس جونسون أصبح "تريندا" على "تويتر" الروسي.
وفشل خروج بريطانيا يتناسب مع الطيف العام. في عام 2015 حاولت حكومة حزب سيريزا في اليونان إعادة التفاوض بشأن علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، وإلا فإنها يمكن أن تغادر، وفشلت أيضًا. اليوم حكومة سيريزا أصبحت حكومة طيعة مؤيدة للاتحاد الأوروبي. توقفت الحكومة الإيطالية الجديدة منذ فترة عن الحديث عن الخروج من الاتحاد الأوروبي أو اليورو، بعد أن شعرت بالخوف من ارتفاع عائدات السندات الإيطالية هذا الربيع. وفي فرنسا، تقول لوبن الآن: "يمكننا تحسين الحياة اليومية للشعب الفرنسي دون الخروج من أوروبا أو اليورو".
ولشرح السبب في تغييرها رأيها، تعترف بقولها" "سمعنا الفرنسيين". وليس الفرنسيين فقط: دعم الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء القارة يبلغ أعلى مستوياته منذ عام 1983، وفقًا لاستبيان أجرته المفوضية الأوروبية على 27601 شخصًا في نيسان (أبريل). خروج بريطانيا جعل كثيرا من الشبان البريطانيين مؤيدين متعصبين لأوروبا من النوع الذي بالكاد كان موجودا في المملكة المتحدة من قبل. في الوقت نفسه، اكتسب الاتحاد الأوروبي العدو الخارجي المثالي: ترمب أقل شعبية في أوروبا منه في أمريكا، لذلك عندما يصف الاتحاد الأوروبي بأنه "عدو"، فإنه يساعد على توحيد الأوروبيين وراء الاتحاد.
الشعبويون يتخلون الآن بهدوء عن فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي. سيظل لديهم ما يكفي للحديث عنه. ببساطة ربما يصبحون أسوأ من قبل. سالفيني يصرخ الآن بأعلى صوته ومن دون توقف بسبب المهاجرين. فلاديمير بوتين يحل الآن محل خروج بريطانيا بصفته أحدث قضية شعبوية في عالم الجيوسياسة، لكن خروج بريطانيا ربما يقنع كثيرا من الناخبين بأن أفضل ما يفعله الشعبويون هو إطلاق الشعارات.
التصويت من أجل خروج بريطانيا كان في جزء منه محاولة للشعور مرة أخرى بالمشاعر الحماسية التي كانت في أوج الحرب العالمية الثانية. بالتالي من المناسب أن ينتهي المطاف بخروج بريطانيا أن يعيد تمثل عمليات الإنقاذ الإيثارية من المملكة المتحدة خلال الحرب لنجدة أوروبا القارية، لكن الأمر هذه المرة سيكون على شكل مسرحية هزلية. سيدخل اسم جونسون التاريخ على أنه بطل أوروبي: الرجل الذي أنقذ الاتحاد الأوروبي في لحظة الخطر. كان لا بد من تضحية من أجل القضاء تماما على موضوع الخروج من أوروبا، وحدث أن المملكة المتحدة كانت هي الأولى التي فعلت ذلك. سواء أحببنا الاتحاد الأوروبي أم كرهناه، فقد برهن البريطانيون على أنه لا يمكننا الخروج منه. بخيره وشره، يبدو الاتحاد الأوروبي الآن أنه أمر محتوم مثل الرأسمالية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES