FINANCIAL TIMES

الصين عازمة على أخذ الصدارة في الذكاء الاصطناعي

الصين عازمة
 على أخذ الصدارة
 في الذكاء الاصطناعي

عندما هزم جهاز الكمبيوتر "ألفا جو" لي سيدول في لعبة "جو" المعقدة للغاية عام 2016، أشاد كثير من الناس بالكمبيوتر على أنه برهان على قوة الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي.
بالتأكيد لم تفت أهمية المباراة على المسؤولين الصينيين، ومنهم عدد من أكثر اللاعبين حماسا لهذه اللعبة الاستراتيجية التي يصل عمرها إلى ثلاثة آلاف عام. لكنهم نظروا بطريقة مختلفة إلى انتصار فريق "ديب مايند"، "شركة الذكاء الاصطناعي المملوكة لجوجل" الذي حصل على البطولة العالمية 18 مرة: اعتبروها دليلا على الضعف التكنولوجي للصين. وصف بعضهم ذلك بأنه "لحظة سبوتنيك" في الصين.
لا أحد يمكنه اتهام القيادة الصينية بالفشل في الرد على تحدي الذكاء الاصطناعي. فقد تبين من خلال سلسلة من المقالات نشرتها "فاينانشيال تايمز"، أن الصين تضخ الأموال للإنفاق على بحوث الذكاء الاصطناعي وتأخذ الريادة في نشره في كثير من المجالات. في بعض المجالات، مثل الاستخدام الشاسع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعرف على الصوت والوجه، أصبحت الآن الرائدة عالميا، مع آثار مزعجة تمس الخصوصية في بعض الأحيان.
أعلن الرئيس تشي جينبينج بكل جرأة عن طموح الصين في أن تصبح القوة العظمى الأولى في مجال ابتكار الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. وشركات التكنولوجيا القوية في البلاد، المرتبطة بالدولة بشكل كبير، مثل "تنسنت" و"علي بابا" و"بايدو"، تستثمر أيضا بشكل هائل في الذكاء الاصطناعي. والأقاليم الصينية تتنافس لتجعل من نفسها مراكز تكنولوجية: في أيار (مايو)، أعلنت مدينة تيانجين عن إنشاء صندوق بقيمة 16 مليار دولار لدعم قطاع الذكاء الاصطناعي.
للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة ربما تواجه الولايات المتحدة تهديدا خطيرا لهيمنتها التكنولوجية، مع عواقب عسكرية لا يمكن التنبؤ بها. وقد حذر "مركز الأمن الأمريكي الجديد" في مقره في واشنطن من مرحلة مقبلة من "العجز في الابتكار" في الوقت الذي يستخدم فيه الجيش الصيني الذكاء الاصطناعي للسيطرة على ميدان المعركة.
لكن سيكون من الخطأ اعتبار هذا الصراع التكنولوجي كأنه إعادة لسباق التسلح، أو سباق الفضاء بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. خلافا للقنابل النووية، أو صواريخ الفضاء، الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا ذات هدف عام استخدامها الرئيسي هو المجال الاقتصادي. ربما يكون من الأفضل اعتبار المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي جزءا من صراع أوسع نطاقا بين أنموذج ديمقراطي لامركزي ونظام شمولي رقمي، كما جاء في مقال نشر في مجلة "فورين أفيرز" هذا الشهر. كتب نيكولاس رايت "تماما كما كانت المنافسة بين الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، والفاشية، والاجتماعية الشيوعية، مسؤولة عن تحديد كثير من هوية القرن العشرين، كذلك من المقرر أن يكون الصراع بين الديمقراطية الليبرالية والشمولية الرقمية مسؤولا عن تحديد هوية القرن الحادي والعشرين".
لتحديث القول المأثور الوارد عن كارل فون كلاوسفيتز "الذي قال إن الحرب ليست ظاهرة مستقلة، بل هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، فإن الحرب هي استمرار للاقتصاد بوسائل أخرى. يحرص الصينيون على الفوز في هذه الحرب، والذكاء الاصطناعي هو واحد من الأسلحة المهمة في ترسانتها.
لكن في الوقت الراهن ربما تحتفظ الولايات المتحدة بميزة مهمة في الذكاء الاصطناعي. يقدر جيفري دينج، الباحث في جامعة أكسفورد ومؤلف تقرير حول استراتيجية الذكاء الاصطناعي في بكين، أن القدرات الحالية للصين تمثل فقط نحو نصف قدرات الولايات المتحدة. وهو يجادل بأن الولايات المتحدة تتباهى بوجود ميزة واضحة فيما يتعلق بتصميم الأجهزة والبحث الخوارزمي، والترويج التجاري الكلي للأفكار، بفضل النظام الإيكولوجي الفريد من نوعه في وادي السيليكون.
أحد المجالات المهمة التي تتفوق فيها الصين على الولايات المتحدة هو جمع وتركيز البيانات، التي غالبا ما تكون مشتركة بين الشركات الخاصة، نظريا، والوكالات الحكومية. تقدر إحدى شركات الاستشارات الصينية أن الصين ستمتلك بحلول عام 2030 نحو 30 في المائة من بيانات العالم، التي يُنظَر إليها على أنها "الوسيلة الرئيسية للإنتاج" بالنسبة إلى كثير من برامج الذكاء الاصطناعي. ربما تكمن الفجوة الأكبر في حقل البحوث، حيث الهيمنة للولايات المتحدة، إلى حد كبير بسبب جامعاتها الرائدة على مستوى العالم. الارقام ليست كل شيء، لكن الولايات المتحدة تفخر بوجود نحو 78 ألف باحث في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ 39 ألف باحث في الصين. كما لا تزال الولايات المتحدة منفتحة أيضا على العالم وتجتذب كثيرا من أفضل الأكاديميين من الخارج – على الرغم من أن الرئيس دونالد ترمب يعمل فيما يبدو على هذه الجبهة. لكن بكين كانت تعمل على تكثيف جهودها لاجتذاب الباحثين الصينيين العاملين في الخارج، من تطلق عليهم لقب "السلاحف البحرية"، للعودة إلى الوطن واجتذاب مزيد من المواهب الأجنبية أيضا.
النهج اللامركزي الذي تتبناه الولايات المتحدة ربما يتبين أنه أكثر ديمومة من حيث تطوير ونشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل. لكن من الممكن أيضا أن تكون الصين قد تعلمت الدروس المستقاة من التاريخ الغربي بشكل أفضل من أمريكا. لاحظ أن أجهزة الكمبيوتر الأولى تم تطويرها لأغراض عسكرية موجهة إلى الدولة. فقد بنى البريطانيون كمبيوتر "كلوسس" Colossus في إطار جهودهم التي تستهدف فك الشفرة في بليتشلي بارك خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كان يتم تطوير جهاز "إنياك" Eniac، النظير الأمريكي، ضمن مشروع مانهاتن "لتطوير القنبلة الذرية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES