FINANCIAL TIMES

سقوط المحافظين في مصيدة الـ "بريكست" .. سوء تقدير أم تدبير ؟

سقوط المحافظين في مصيدة الـ "بريكست" .. سوء تقدير أم تدبير ؟

سيكون الأمر مضحكا لو لم يكن يتعين علينا العيش هنا. حزب المحافظين الذي أوقع بريطانيا في فوضى "خروج بريطانيا" للتغلب على الانقسامات الموجودة بداخله، يمكن أن يُنهك الآن بالخطة ذاتها التي دبرها لإنقاذ نفسه.
السياسة البريطانية محمومة فوق الحد على نحو يحول دون الشعور باليقين، لكن مع اقتراب "وستمنستر" من العطلة الصيفية، من الصعب رؤية سيناريو يمكن فيه للمحافظين استعادة حظوظهم السياسية.
ما يسمى الحزب الطبيعي للحكم أهدر سنتين فاشلتين في تسوية صراعاته الداخلية، ويضع الآن خطط طوارئ للتحوط القوي والمستقر. "وكأن أنصار خروج بريطانيا يغنون: "اللحم المعلب الرائع، اللحم المعلب الجميل".
المحافظون عالقون الآن في فخ – وهو فخ لا يمكن الهروب منه، حتى لو جرى تغيير زعيمتهم، فهم إما أن يحققوا خروجا صعبا لبريطانيا مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب، وإما يأتوا بنتيجة قابلة للتطبيق، التي يعلن مؤيدو الـ"بريكست" أنها قد خانت القضية.
قد لا يبدو هذا خيارًا صعبًا. لسوء الحظ، تيريزا ماي وضعت حزب المحافظين في وضع الحزب المؤيد لخروج بريطانيا، ما أدى إلى جذب ناخبين من حزب الاستقلال البريطاني. نحو 70 في المائة من أصوات المحافظين في الانتخابات الماضية جاءت من مؤيدي المغادرة.
التحولات الديموغرافية تعني أن المحافظين مضطرون إلى التشبث بهذا الدعم، لكن هؤلاء الناخبين يقال لهم الآن من قبل أكبر أنصار خروج بريطانيا إنه قد تم التخلي عنهم.
كان خطاب استقالة بوريس جونسون من منصب وزير الخارجية لافتا للنظر بسبب ما تضمنه من تحويل للوم.
حكاية الخيانة التي كان من المتوقع أن يصل إليها مؤيدو الـ"بريكست" بمجرد أن تدخل الحقيقة إلى مجال رؤيتهم السحرية هي الآن على قدم وساق. كانت الحكومة بحاجة إلى أن تكون قادرة على إخبار ناخبيها أنها أنجزت موضوع الـ"بريكست". في حماستهم لمغادرة بحتة لبريطانيا، عمد المتطرفون إلى حرمان الحكومة من هذا الخيار، عمداً أو سهواً.
منذ الآن تُظهر استطلاعات الرأي وجود عثرة في الدعم لحزب الاستقلال المريض على حساب حزب المحافظين. الجماعات اليمينية الصعبة آخذة في الاندماج؛ حيث إنها تستشعر فرصة في حكاية الخيانة.
لكي نكون منصفين لبعض المؤيدين للـ"بريكست"، هذا هو العمل الذي أفنوا حياتهم من أجله، وبالتالي فهم ليسوا على استعداد لكي يلقوا به بعيداً الآن لمجرد الفوز في الانتخابات أو في مواجهة القليل من الصعوبات الاقتصادية.
نوعا ما، لقد كشف جيكوب ريس موج عن اللعبة في عطلة نهاية الأسبوع عندما قال إن الأمر قد يستغرق 50 عامًا لرؤية فوائد الـ"بريكست".
بالنسبة لمثل هؤلاء الرجال من أعضاء البرلمان، فإن بضعة أجيال مفقودة هي مجرد ثمن يستحق الدفع.
رسالتهم المناسبة هي أن المملكة المتحدة ليس لديها ما تخشاه من نتيجة تقوم على عدم التوصل إلى اتفاق، ولكن ستمر عقود من الزمن قبل أن نعرف ما إذا كانوا على خطأ، وعلى أي حال، فإن الأمر كله هو خطأ ماي.
سيستخدم متطرفو الـ"بريكست" مؤتمر الحزب لتضخيم رسالة الخيانة وعدم الكفاءة. ستكون مواضيع الخريف الحالي خلافات حول الـ"بريكست" وأزمة في قيادة المحافظين. تتضخم معضلة الحزب والبلد بسبب حقيقة أن الـ"بريكست" الآن متشابك مع ما يفترض الجميع أنه مسابقة على الزعامة تلوح في الأفق.
المنافسون في مجلس الوزراء يسربون الأخبار ضد رئيسة الوزراء وضد بعضهم بعضاً، وهم يناضلون لاكتساب الموافقة على الـ"بريكست".
لا يوجد مخرج من هذا الفخ لماي أو حزبها إلا إذا كان البلد يعاني حنينا مفاجئا للتخطيط للطوارئ. أستطيع أن أرى الملصقات "حافظوا على الهدوء وادخروا المواد التموينية".
ومع ذلك، هناك سبب يجعل التخزين من أجل الطوارئ وتحذيرات الاضطرابات المدنية لا يظهر بشكل بارز في البيانات.
قبل شهر، بدا أن ماي كانت قادرة على تأمين، على بعد مليمترات، ذلك النوع من الـ"بريكست" 52:48 الذي لا يرضي أحداً، لكنه يهدئ كثيرين. كانت هناك لحظة يمكن أن تكون قد ظهرت فيها وهي حائزة على الفضل في تحقيق الـ"بريكست" مع الحفاظ على الوظائف. لقد ولت تلك اللحظة.
حتى لو كانت ماي لا تزال قادرة على تأمين صفقة من هذا القبيل، فلا يمكن أن ينجح الفخ في الاصطياد. سيستأنف المتشددون لديها الخلاف، بينما يقتتلون لتحديد المرحلة التالية من الـ"بريكست" خلال المرحلة الانتقالية.
لربما تكون نقطة الخطر القصوى بالنسبة لها مباشرة بعد يوم مغادرة بريطانيا في 29 آذار (مارس) المقبل، على الرغم من أن هناك فرصة للتحرك ضدها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، لكن القائد الجديد لا يمكنه أن يقدم بداية جديدة عندما لا تختفي أي من هذه المشاكل.
إذا كان جونسون هو رجل الدولة، فإنه يعتقد أنه هو نفسه يمكنه كزعيم أن يكون قادراً على إيجاد طريق للمرور من خلال هذا المستنقع، ولكن مرة أخرى، لا يتجاوز ذلك مقولة: إذا كانت عائلتي تملك قاربًا، فسأكون بحارًا.
البعض على اليسار يرون هذا بسرور على أنه لحظة انقسام المحافظين. قد يكون هذا مبالغا فيه، لكن حدوث هزيمة انتخابية كبيرة وإهداء الأمة إلى جيريمي كوربين من حزب العمال، سيظل زلزاليا إلى حد ما، في المقابل.
ما هو واضح هو أن صراخ الخيانة بأعلى الأصوات على الملأ جعل من المستحيل على المحافظين الخروج من خطاف الـ"بريكست". أي شيء لا يرقى إلى مستوى الـ"بريكست" الشاق والمدمر اقتصاديا، سيكون بمنزلة خرق للثقة من قبل الناخبين الذين يعتمدون عليهم الآن. على أن صرخات الخيانة وعدم الكفاءة ستعفي هؤلاء الناخبين من الوقوف إلى جانب المحافظين، عندما تشتد الحاجة إلى المال.
كل ذلك يترك ماي مع خيار واحد لا غير. سفينة حزب المحافظين تتجه الآن نحو الاصطدام بالصخور. والسؤال الوحيد هو: ما إذا كانت ماي ستُغرق البلاد مع غرق السفينة، أم لا؟

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES