Author

الصاعدون إلى القاع

|
يقول شكسبير: "عود نفسك على التجاهل، فليس كل ما يقال يستحق الرد". منذ صرختك الأولى إلى تلك اللحظة التي ينتهي فيها مشوارك الدنيوي، كن واثقا بأنك لن تسير وحدك في هذا العالم، فرغما عنك، وفي كثير من الأحوال، لا بد أن تتقاطع الطرق بينك وبين الآخرين في نقطة ما. في تلك اللحظة، إن لم يكن تركيزك منصبا على خريطة طريقك وخطواتك الواثقة، فإنك ستشعر بالتشتت وعدم التركيز، وربما تفقد بوصلتك وتصبح تائها، لتنضم إلى ملايين البشر الذين يتخبطون في طريقهم، ويبعثرون أجمل لحظات أعمارهم بالانشغال في الجدال والتبرير للآخرين، وسماع أقاويلهم المنسوجة من الكذب والفضول والحسد. كل الطرق في الحياة ستؤدي بك إلى طريقين لا ثالث لهما، كما يقول تعالى: "وهديناه النجدين". إما إلى الخير أو إلى الشر، إما إلى القمة أو إلى القاع، لذلك تبقى حرية الاختيار لك؛ إما الصعود إلى الأعلى، حيث الإيمان والنور والخير والنجاح والحب والعطاء، أو الصعود إلى القاع، حيث الظلام والشر والكراهية والتخبط والسوداوية والحقد والخسارة. الإشكالية ليست في اختيارك، بل في قدرتك على الإصرار على أن تنجح في اختيارك وتحصد النتائج المرجوة منه، الصاعدون إلى الأعلى سيفشلون إن توقفوا في طريقهم ليستمعوا إلى أولئك الصاعدين إلى القاع؛ لأنهم باختصار سيحاولون أن يسحبوهم معهم إلى القاع، سيخبرونهم بأن عناء الصعود سيثقل كواهلهم، ويشغلهم عن الاستمتاع بما حولهم، سيزينون لهم حلاوة الانحدار معهم إلى القاع، وحين يفشلون في إقناعهم سيبدأون في قذف الصخور في طريقهم؛ ليوقفوهم عن الصعود. أخبرتك - صديقي القارئ - في بداية المقال، أن طريقك لا بد أن تتقاطع مع هؤلاء الصاعدين إلى القاع، ومهما حاولت تجنب ذلك فلن تنجح، فأنت - على كل حال - لا تعيش في المدينة الفاضلة؛ لذا إن أردت إكمال طريق صعودك، فعليك أن تطبق فن التجاهل باحتراف، لا تستمع إلى تفاهاتهم، ولا تتوقف لتشغل نفسك بالرد على أقاويلهم، ولا تبعثر وقتك بالجدال معهم. الصاعد إلى القمة لا يخيفه نباح القابعين في القاع، ولا يسكن قلبه الوهن حين يقذفونه بصخور السخرية والتهكم والتقييمات السلبية، ولا تنهمر دموع استسلامه حين تلسع روحه أقاويلهم وتعليقاتهم الحاقدة، فهو يمضي في طريقه وحسب. لو توقفت لتناقش وتجادل وتحاور وتبرر أفعالك وأقوالك لكل صاعد إلى القاع، فلن تصل إلى القمة إطلاقا، بل ستكتشف أن العمر طواك وأنت ما زلت في مكانك.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها