الطريق للجنون

رغم أنهم ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس إلا أن الناظر إليهم عن قرب والمتعمق في كلامهم وحواراتهم وفلسفتهم سيجد أن حديثهم يقود للجنون، بل إن بعضهم مجنون فعلا!! فالجنون نوعان جنون مأساوي أو مرضي يمس العقل والجسد معا وجنون نقدي يمس أفكار الشخص دون جسده،. ويصيب هذا النوع من الجنون غالبا المفكرين والفلاسفة، المعروف عنهم الاستعمال المفرط لقدراتهم العقلية وأفكارهم المجنونة التي قد تدفع القارئ للجنون! وفي كلا النوعين يفقد الشخص توازنه الطبيعي والواقعي ولكن بأعراض ودلالات مختلفة فصاحب الجنون المأساوي يعاني ويلات المرض في عقله وصحته ومظهره الخارجي، ويحصر نفسه في دائرة الألم دون أي نتاج معرفي أو محاولة لاكتشاف ما حوله من ظواهر فيعيش بلا وعي ولا إحساس، أما الجنون النقدي فينفصل صاحبه فعليا عن الواقع والمجتمع إلا أن تفكيره يصل إلى مستوى عال يمكنه من رؤية العالم خارج دائرته بطريقة مختلفة ومتعة وثقة لا توجد في النوع الأول من الجنون!! وربط العلماء والدارسون الجنون النقدي بالتفكير الحر، لذا يصف ميشيل فوكو المجنون في كتابه "تاريخ الجنون" بالحكيم والفيلسوف الذي يحتاج إليه المجتمع ليصحح مساره ويعيد إليه قيمه الإنسانية التي فقدها، لجرأة طروحاته ومعرفته الواسعة بمواطن الضعف في المجتمع!! وبجولة سريعة في آراء الفلاسفة المجانين سترون أنهم يدفعونك للجنون حين تتعمق في أفكارهم. تقوم فلسفة أفلاطون العجيبة على عقيدة الأشكال. ما تراه حولك ليس موجودا أصلا، بل هو انعكاس "ظلال" لموجودات أخرى في عالم المثاليات. أي أن الحائط الذي أمامك الآن ليس موجودا، هو فقط انعكاس لحائط موجود في عالم آخر أفضل! واستمع لما يقوله الفلاسفة المعروفون بالسفسطة عن البراغيث وهي كلمة تعني "المهارة" ويقصد بهم الفلاسفة الذين يمتلكون مهارة تحويل الفلسفة إلى استعراض عضلات عقلي. إثبات النفي، ونفي الإثبات. البرغوث كائن مفيد، لأنه يزيل الدم الزائد من الجسم ويرغمك على الاستحمام وتغيير الملابس، وبالتالي نشأ مصطلح نظافة.. طيب لو لم توجد البراغيث، لما وجد مصطلح "قذارة".. ولو لم تكن هناك قذارة، لما صارت هناك ضرورة للنظافة أصلا! وبالتالي، البراغيث لا أهمية لها!!! وهناك مجموعة من الفلاسفة "الكلبيون" وأشهرهم اليوناني "ديوجين" الذي عاش حياته مرتديا ما يشبه البرميل وداعيا الإنسان أن يعيش حياة الكلاب التي لا تحمل هما، لا أكل جاهز، لا ثروة، لا زواج بنية تأسيس أسرة.. الكلب سعيد وراض بحاله، لذلك يجب أن يتبع الإنسان هذه الخطوات ليصل إلى السمو.