Author

ملامح تقرير مؤشرات التنمية المستدامة في المملكة

|
كما هو معروف، فقد اعتمدت دول العالم خطة التنمية المستدامة وأهدافها الـ17 في القمة الأممية في 2015، وذلك لاستكمال الجهود التي بذلت من أجل تحقيق الأهداف التنموية الألفية "2000 - 2015". واستشعارا لأهميتها في تطوير المجتمعات وتنميتها، فقد أخذت معظم الدول، وفي مقدمتها السعودية، على عاتقها تنفيذ هذه الخطة بجدية كبيرة، على الرغم من متطلباتها الكبيرة من حيث البيانات المطلوبة لحساب عشرات المؤشرات الخاصة بكل هدف من الأهداف الـ17، في ظل نقص البيانات في كثير من الدول، خصوصا الدول العربية. سعدت كثيرا بالاطلاع على تقرير التنمية المستدامة الأولي، الذي قدم باسم المملكة في مقر الأمم المتحدة بالأمس، فهو يعكس جهودا كبيرة في جمع البيانات من جهات حكومية متعددة، وقد حمل في مجمله بيانات تترجم الإنجازات التنموية الرائعة التي حققتها المملكة خلال العقود الماضية، مع شفافية عالية في إبراز الجوانب التنموية على حقيقتها. لذلك، حمل التقرير بعض المؤشرات والبيانات التي تلفت الانتباه، وأخرى تثير تساؤلات حول ضرورة معالجتها في أقرب وقت. سأبدأ بما أشار إليه التقرير حول الإنفاق على البحث العلمي بملايين الريالات بناء على تقرير مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ليتجاوز 171 مليون ريـال في 2016، إضافة إلى مبالغ أخرى، مثل الإنفاق على دعم المخترعين "28 مليونا"، وتنمية قدرات البحث العلمي "86 مليونا"، وكذلك نقل وتطوير التقنية "92 مليونا"، علاوة على برنامج دعم الجامعات ومراكز البحوث، لكن التقرير لم يوضح نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي. ومن الإنجازات المهمة التي أشار إليها التقرير، تقليص فجوة النوع التعليمية بدرجة ملحوظة خلال العقود الماضية لتصل إلى حد التشابه بين الذكور والإناث، وهذا إنجاز كبير يُحسب للمملكة، بل أعرف شخصيا أن نسبة الإناث في بعض الكليات والجامعات أكبر من نسبة الطلاب الذكور. وفي مجال التعليم أيضا، من اللافت للنظر انخفاض أعداد التلاميذ لكل معلم، إذا لا يتجاوز 12 تلميذا للمعلم. ومن المثير للإعجاب في مجال المياه، مواجهة تحديات ندرة المياه في بيئة صحراوية قاحلة، لتتمكن المملكة من توفير نحو 61 في المائة من مياه الشرب المحلاة. ومن الإحصاءات المعروفة، لكنها تبقى مثيرة، أن نسبة التوطين في القطاع الخاص لا تتجاوز 18 في المائة، أي أن العمالة الوافدة أضعاف العمالة الوطنية، ما يتطلب تبني برامج أكثر فاعلية مما هو مطبق في الوقت الحاضر، ومن المثير أيضا، أن نسبة الأراضي الزراعية الخاضعة للممارسات الزراعية المستدامة لا تتجاوز 16 في المائة، وهي نسبة قليلة، خصوصا مع الفقر المائي في البيئة الصحراوية، ما يؤكد الحاجة إلى أساليب زراعية تعزز الاستدامة. وهناك بعض القيم التي قد تحدث اللبس لدى القارئ، مثلما ذُكر في التقرير من أن نسبة السكان الذين يعيشون في أسر معيشية يمكنهم الحصول على خدمات الصرف الصحي بنسبة تصل إلى 99 في المائة مقابل ما ذكر - أيضا - في موضع آخر أن نسبة المساكن المعتمدة على الشبكة العامة للصرف الصحي 57 في المائة. كذلك، فإن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل "18 في المائة" لا تزال قليلة، مقابل معدلات بطالة مرتفعة تتجاوز 12 في المائة من إجمالي القوى العاملة السعودية. علاوة على ذلك، فمن اللافت للنظر مؤشر رضا السكان عن سلامة الغذاء في المطاعم التي لا تتجاوز 60 في المائة، ولا تختلف عنها كثيرا قيمة مؤشر الرضا عن نظافة المدن. ولا شك أن التحدي الإحصائي الأكبر، هو توفير هذه المؤشرات على مستوى المناطق الإدارية والمحافظات وإتاحتها للباحثين. بوجه عام، فقد اشتمل التقرير على إحصاءات متنوعة ودقيقة في مجملها، ما يعكس الجهود الرائعة التي بذلتها الجهات المسؤولة عن إعداد تقرير التنمية المستدامة في المملكة، والأهم من ذلك الإنجازات التنموية الحقيقية التي حققتها المملكة خلال العقود القليلة الماضية.
إنشرها