Author

تنويع مهم «لأرامكو السعودية» وقيمة مضافة

|
شهدت حقبة التسعينيات من القرن الماضي نموا لا مثيل له في أنشطة الاندماج والاستحواذ في كل من الولايات المتحدة والأسواق الدولية "حتى أصبحت تعرف بهوس الاندماج merger mania، لكن تلك الحمى تراجعت مع انهيار الأسواق المالية والثقة بالقوائم المالية عام 2001، ثم عاودت النشاط مع تحسن وضع الأسواق لتتوقف مرة أخرى مع الأزمة المالية العالمية 2008. لهذا، فإن هناك ارتباطا بين قرارات الشركات بالاندماج وبناء مجموعات أعمال متعددة الأغراض وبين الحالة الاقتصادية العامة في أي بلد، وتزداد قيمة هذا المؤشر مع زيادة حجم الشركات المندمجة وتنوع أعمالها، فكلما كان الوضع الاقتصادي في البلد مستقرا ويتجه نحو النمو المستدام، زادت رغبة إدارة الشركات في الفوز بحصص أكبر من النشاط الاقتصادي العام لتحقيق نمو كاف لتلبية متطلبات التدفقات النقدية التي يسعى إليها المساهمون، والعكس صحيح، فعندما يكون الوضع الاقتصادي غامضا وآفاق النمو غير واضحة، فإن هذا ينعكس في شكل إحجام واسع عن التوسع في الاستثمارات من قبل الشركات، ومن بين ذلك، التراجع عن أي خطط للإندماج. لهذا، عندما تقرر شركة بحجم "أرامكو" لتدرس خطط الاستحواذ على حصة ذات تأثير مهم في شركة بحجم "سابك"، فإن لهذا دلالة لا يمكن تجاهلها أبدا عن مدى الثقة التي وصل إليها الاقتصاد السعودي، وأنه في مسار ذي آفاق واعدة جدا، ومن المتوقع أن تشهد الأسواق مزيدا من القرارات في هذا الاتجاه. عندما تختار إدارة الشركة التوسع في أنشطتها، فإن هدفها - بلا شك - هو تحقيق قيمة اقتصادية مضافة للمساهمين، وفي سبيل هذا التوسع قد تختار إدارة الشركات مسارات مختلفة، من بينها التوسع من خلال بناء القيمة الداخلية "كأن تقوم بتأسيس شركات جديدة أو التوسع في بناء مصانع ضمن اتجاهات أفقية أو رأسية"، وهذا المسار له مخاطره الطبيعية الملازمة، فبناء مؤسسة جديدة يتطلب كثيرا من الجهود من أجل بناء وتصميم المنتجات ودخولها إلى الأسوق والاستحواذ على الحصص، ويتطلب هذا الاستثمار كثيرا من الوقت وفي الكوادر البشرية والأجهزة والمواقع الاستراتيجية، كما أن مخاطر الفشل تظل واردة، إذ لا يمكن التنبؤ بشكل صحيح بردة فعل الأسواق حول المنتجات الجديدة ولا الاستراتيجيات المضادة التي قد يقوم بها المنافسون. فإذا كانت القدرة المالية للشركات ممتازة ولديها تدفقات نقدية عالية، فإن الأفضل لها هو السيطرة على شركات أخرى قائمة، لها اسم تجاري معروف ومنتجات ذات حصص سوقية قوية، وهذا الاتجاه يغلب على الشركات التي تريد تنويع استثماراتها وإيجاد عوائد وتدفقات نقدية ممتازة للمستثمرين فيها مع تقليص المخاطر، وهو الاتجاه الذي تبنته شركة أرامكو في دراستها لشراء حصص استراتجية في شركة سابك. إن الهدف الذي يمكن مناقشته هو تنمية عوائد الصندوق بشكل يحقق "رؤية المملكة 2030"، ببناء أكبر صندوق عالمي يحقق عوائد ضخمة تسهم في تمويل الميزانية العامة للدولة وتجنبها مخاطر تقلبات أسعار النفط. وهكذا، تبدو العلاقة واضحة بين الاستقرار الاقتصادي الذي تعمل عليه الدولة وبين نمو مؤسسات الأعمال ومن ثم نمو العوائد على الاستثمارات الحكومية وما تحققه من تدفقات مستدامة تسهم في الاستقرار الاقتصادي، وهذا في دور أعمال كاملة بالنسبة للمالية العامة في الدول. ورغم وضوح الفكرة من جانب تعظيم العوائد - كما أشرنا - إلا أن القول الفصل في هذا الجانب بشأن الاستحواذ المتوقع بين "أرامكو" و"سابك"، لن يكون متكاملا إلا مع إتمام كامل الصفقة، خاصة أن صندوق الاستثمارات العامة يملك حصة استراتيجية في "سابك"، وبالتالي، فحجم تأثير الصفقة في عوائد الصندوق تظل محل تساؤل. لكن مع ذلك، فإن هذه الخطوة من جانب "أرامكو" يمكن مناقشتها من جانب تطوير وتحسين كفاءة العمليات الإنتاجية، وتحسن خطوط الأعمال، أو دورة الأعمال في نقاطها الحرجة. فمثلا، عندما تكون منتجات أي شركة معتمدة كليا على إمدادات مستمرة من المواد الخام، فإنها في حاجة إلى تكامل رأسي صاعد من حيث الاندماج مع الشركات الموردة الكبرى، لأن هذا يحقق لها وفرا من جانب ويحقق لها دعما استراتيجيا لمنتجاتها الرئيسة، ويخفف عنها ضغوط التنافسية على المواد الخام. وإذا كانت الشركة تعتمد بشكل أساس على شركات الصناعات التحويلية لمنتجاتها من المواد الخام، فإنه قد تتخذ قرارات استراتيجية بالاندماج الرأسي مع الصناعيين، تهدف من خلالها إلى تخفيف مخاطر الأعمال الناتجة من اختلالات خطوط الإمداد. وإذا كانت شركتا أرامكو وسابك تمثلان محورا اقتصاديا رئيسا في المملكة، فإن ضمان استقرار القرار بشأن تكامل خطوط الإمداد مع خطوط الإنتاج، سيعزز من قدرة الشركتين ووحدة القرار فيهما، ما ينعكس إيجابا على التنافسية وقوة الاقتصاد السعودي بشكل عام. الاندماج في عالم الأعمال الذي يهتم بالاتجاه الأفقي بمعنى الاستحواذ على شركات خارج المسار الصناعي أو القطاعي بشكل عام، يمثل استراتيجية أساسية للحد من المخاطر التي تنشأ من تقلبات القطاعات، وهذا التنويع مهم جدا لشركة بحجم "أرامكو"، التي ارتكزت لعقود على قطاع واحد، هو إنتاج النفط الخام، وبما أن الارتباط أصبح واضحا بين تنويع الموارد الاقتصادية للمالية العامة وبين الاستقرار الاقتصادي، فإن إعادة موازنة مجموعة أعمال شركة أرامكو، حيث تتوسع في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق، تعد اليوم ضرورة اقتصادية.
إنشرها