أخبار اقتصادية- عالمية

بعد 40 عاما من «ولاية الفقيه» .. الأزمة الاقتصادية في إيران تدخل نقطة اللا عودة

 بعد 40 عاما من «ولاية الفقيه» .. الأزمة الاقتصادية في إيران تدخل نقطة اللا عودة

قبل نحو أربعة عقود، وفي مثل أشهر الصيف تلك، كان "الخميني" يستعد من منفاه الباريسي للعودة لحكم إيران وفقا لنظريته "ولاية الفقيه".
وعد الخميني وأعوانه الشعب الإيراني بكثير من الأشياء، في مقدمتها أن يجعل من إيران نموذجا يحتذي لشعوب الأرض ، وبالفعل نجح خميني ومن بعده خامنئي في تحقيق الشطر الأول من الوعد، فحولوا البلاد بالفعل إلى نموذج لكن "لا يحتذى"، للفساد وإهدار ثروات الشعوب، وقمعها، وسحقها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وحول ايران الى نموذج لكيفية إشعال الحروب الإقليمية، والتورط في العمليات الإرهابية، نموذجا لكيفية تصدير النظام أزمته الداخلية إلى الآخرين، ومساندة الطغاة في قتلهم لشعوبهم.
لأربعة عقود سارت إيران في طريق المجهول، ولكنها الآن تبدو اقرب من أي وقت مضى للوصول الى نهاية الطريق، وتمزيق تلك العباءة التي القاها الخميني واعوانه على ابناء شعبهم لتزيف وعيهم، واغماض اعينهم عن رؤية الحقيقية. ومع اقتراب آب (أغسطس)، حيث ستبدأ العقوبات الأمريكية في الدخول الى حيز التنفيذ، يتفاءل الكثير من ابناء الشعب الإيراني بان التغيير الشامل بات قاب قوسين او أدنى، وبان النظام لم يعد فقط يترنح، بل ان اساطين النظام وزبانيته يدركون ان الدائرة تضيق، وان ما ينالونه من دعم دولي من هنا وهناك ليس اكثر من خطاب مواساة للحظة الاخيرة، وان الشارع يغلي، والحراك الشبابي في تصاعد، والتساؤلات التي ظلت لعقود حبيسة الغرف المغلقة جراء الخوف والفزع، باتت الان على كل لسان، وان اسئلة الإيرانيين لم يعد من الممكن ايقافها دون حمام دم.
الشعب يسأل الان ما الذي اوصلنا الى حافة الانهيار الاقتصادي؟، اين ذهبت ثروات الإيرانيين في اربعة عقود؟، من الذي مزق النسيج الاجتماعي بين ابناء الشعب الإيراني، من المسؤول عن الخلل الاجتماعي الراهن؟، وعندما يعود الصدى حاملا الإجابة معه، فان أبناء إيران لا يجدون غير عبارة واحدة ومسؤول واحد يحملونه انهيار دولتهم ومجتمعهم انه "نظام الملالي وولاية الفقيه".
لأربعة عقود كانت إيران تنتقل من خلل اقتصادي إلى آخر، ومن أزمة اقتصادية صغيرة إلى أزمة اكبر فاكبر، إلى أن وصلت الآن إلى وضع يصعب معه المسكنات أو عمليات ترقيع لإصلاح ما يمكن اصلاحه.
وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور فريهاد على شيرازي الخبير الاقتصادي، إن الوضع الاقتصادي الداخلي وصل الى نقطة الا عودة، وان إيران لا تستطيع ان تسير في هذا الطريق طويلا، وان اصرار النظام على المضي قدما في هذا الطريق البائس يعني حتمية نهايته.
وأضاف، "المعدل الرسمي للتضخم حاليا 22 في المائة، لكن جميع المؤشرات الموضوعية تشير الى ارقام اعلى من ذلك بكثير، وستبلغ في المتوسط من 35 وحتى 40 في المائة، وبالنسبة لبعض المواد الاستهلاكية اليومية ربما تصل ارتفاعاتها الى 100 في المائة.
وزاد، يصعب القول حاليا إن إيران ستشهد النموذج الفنزويلي في ارتفاع التضخم قريبا، ولكنها حتما تسير في هذا الاتجاه، ام بالنسبة لمعدل البطالة فان الرقم الرسمي يصل بها الى 35 في المائة، لكن البطالة تتفشى بمعدلات اكبر بين القطاعات الشابة، ربما تصل الى 50 في المائة، وهذا يخلق حالة من الاحتقان الاقتصادي – الاجتماعي، وهو ما يبرز في عدم انصياع الفئات الشابة بشكل علني واضح للقوانين المتشددة للدولة".
ويضيف " تصاعد التضخم وتفشي البطالة في آن، ترافق مع انهيار في سعر صرف الريال الإيراني، وفي الاشهر السبعة الماضية فقدت العملة الإيرانية 50 في المائة من قيمتها، بحيث بات النظام على ادراك تام بانه يمر بمرحلة مفصلية تتطلب تغيرا تماما في اسس النظام ذاته وليس عملية تجميل شكلية".
لكن النظام يبدو من وجهة نظر الكثيرين ليس على قلب رجل واحد، اذ يعتقد البعض من رجالات النظام وتحديدا رجال الحرس الثوري انهم يستطيعون مقارعة وقتال شعبهم حتى اللحظة الاخيرة، وان ما يتمتعون به من قوة عسكرية راكموها لعقود تحسبا لتلك اللحظة، ستمكنهم من قمع أي محاولة احتجاجية كبيرة للاطاحة بالنظام واحلال اخر محله.
بينما يقف بعض المدنيين داخل النظام غير قادرين بعد على ان يصدحوا بكلمة الحق تماما الا انهم يشيرون الى العاصفة المقبلة.
فرئيس مجلس مدينة طهران محسن هاشمي، صرح بأن إيران تمر بأخطر أزمة منذ تأسيس النظام الحالي عام 1979، واعتبر ان الازمة أسوا من تجرع الخميني السم عند قبوله بوقف اطلاق النار مع العراق على حد تعبيره، بل الاخطر توقع توقع احتجاجات اوسع واشد في الاشهر المقبلة.
من جانبها قالت الدكتورة روز مارك استاذة العلوم السياسية، إن إيران مقبلة على زلزال ضخم سيتحول الى تسونامي، داعية دول الجوار الخليجي الى اتخاذ كافة الاحتياطات، اذا يمكن للنظام افتعال ازمة ، في مسعى اخير لتوحيد الداخل، او أن يتفتت النظام فتشهد الدول المجاورة موجة ضخمة من قوارب المهاجرين الإيرانيين.
وأضافت، "الوضع الاقتصادي الطاحن حاليا وتدهور مستوى المعيشة، سيشهد المزيد من الانهيار بمجرد دخول العقوبات الامريكية حيز التنفيذ الشهر المقبل، إذ سنشهد انسحابا سريعا للشركات الأوروبية وربما الهندية والصينية من إيران، وبعيدا عن الخطاب السياسي الشعبوي لتلك الدول، بانها يتواصل الاستثمار في إيران نكاية في الولايات المتحدة، فان ذلك لن يكون ممكنا عمليا، بسبب العقوبات الأمريكية التي ستفرض على تلك الشركات، ولهذا اتوقع ان تنهار صادرات إيران النفطية، وحتى اذا واصلت إيران تصدير حصتها المحددة وفقا لـ"أوبك"، فان ذلك سيتم عبر صفقات تصديرية بمزايا تخفيض في الاسعار للصينين والهنود، ومعنا ذلك ان ما تجنيه طهران من تلك الصادرات سينخفض، وسيزيد العجز في الميزانية العامة، وسيزداد الوضع تدهورا اذا ترافقت العقوبات مع خفض نسبة تصدير النفط الإيراني، وحيث ان اكثر من 50 في المائة من دخل إيران يأتي من النفط ، فان تراجع العائدات يعني ان عدم الاستقرار في إيران امر حتمي".
لكن عدد من المحللين الاستراتيجيين يعتقدون ان الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن دخول العقوبات الامريكية حيز التنفيذ الشهر المقبل، لن تؤدي فقط الى خلخلة الوضع الاقتصادي الداخلي الإيراني، وانما الاخطر انها ستؤدي الى تغيير مشهد التحالفات الداخلي، والذي ادى لسنوات الى ان يصبح الصمت وعدم الاعتراض على سلوك النظام سيد الموقف.
بدوره يعلق البروفسير ال. ان .مارتن استاذ العلوم السياسية والمعني بقضايا الشرق الاوسط قائلا، "خطورة العقوبات الامريكية لا يقف فقط عند تقليص فرص النظام الإيراني في الحصول على دعم دولي حقيقي، يمكنه من التقاط انفاسه واعادة ترتيب البيت من الداخل. وانما خطورة تلك العقوبات انها تفكك شبكة التحالف الداخلي التي مكنت النظام من البقاء لأربعين عاما".
ويضيف، "التحالف الرئيس الذي مكن النظام من البقاء على مدار أربعة عقود رغم فشله الاقتصادي يعود الى التحالف الثلاثي بين الملالي بقيادة الخميني ومن بعده خامنئي والحرس الثوري ومعه قادة الاجهزة الامنية، ثم البازار أو طائفة التجار ورجال الأعمال والرأسمالية الإيرانية، الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف العملة انعكس بشكل عنيف على البازار، وقلص بشكل ضخم من حصته من إجمالي الكعكة الإيرانية، وها ما جعل التجار الإيرانيين يتظاهرون ضد النظام لأول مرة منذ 40 عاما، ومن ثم فان مثلث التحالف لم يبقى فيه حاليا غير الملالي والحرس الثوري، هذا بالطبع سيجعله اكثر شراسة في التعامل مع ابناء شعبه، ولكن نتيجة العقوبات الدولية، فان قدرته على تمويل الالة القمع ستتقلص".
وتابع، "عمليات نهب الثروة الإيرانية التي قام بها رجال الحرس الثوري، وتمويل طموحاتهم الأيدلوجية على حساب الشعب، فعلى سبيل المثال مولت طهران نظام الاسد بـ 16 مليار دولار في وقت يعاني فيه الشعب الامرين من انهيار اسعار الصرف، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ودعم حزب الله الذي بات رمزا لعدم الاستقرار في الشرق الاوسط، كلها عوامل سيصعب وقفها لسبب بسيط ان تلك المنظومة من "عملاء إيران" في الشرق الاوسط تنهار بمجرد وقف الدعم الإيراني لها، وسيكون من الصعب على الحرس الثوي القبول بانهيار مشروعه، الذي قام بصياغة تفاصيله على مدى 4 عقود، والبديل سيكون مزيدا من الضغط على الشعب الإيراني، ليلتزم الصمت ويتوقف عن طرح الاسئلة والثورة، ومن هنا تنبع اهمية العقوبات الامريكية، انها تضع الجلاد في مواجهة الضحية بشكل مباشر، بحيث تصبح الثورة الإيرانية واقعا لا فرار منه".
لا شك أن غياب العدالة الاجتماعية في المجتمع الإيراني، وتلاشي الحريات الاجتماعية والسياسية، والموقف الدولي الذي بات أكثر وعيا لطبيعة التهديدات الإيرانية إقليميا ودوليا، والعقوبات العالمية التي وضعت الاقتصاد الإيراني تحت ضغط غير مسبوق، وعدم دفع رواتب العاملين في الدولة لشهور، وترافق ذلك مع تدهور في مجال الخدمات، حيث بات انقطاع الكهرباء والانترنت روتين يوميا في بلد تصل فيه درجة الحرارة إلى نحو 40 درجة مئوية، بحيث تدرس الحكومة حاليا امكانية تقديم ساعات العمل الحكومي من السادسة صباحا الى الثانية ظهرا لمساعدة الموظفين الحكوميين والعمال على اداء اعمالهم، كل هذا تزامن مع صعوبات ضخمة في القطاع الزراعي بسبب ندرة المياه.
كل هذا جعل الشعب الإيراني في حالة متزايدة من اليأس ولا يرون اي ضوء في نهاية النفق.
من جهته يعلق الخبير الاقتصادي الإيراني علي جواد بالقول: "خطورة الموقف الأمريكي تجاه إيران بالنسبة للنظام، لا يتمثل فقط في تضيق الخناق عليه من حيث الموارد الاقتصادية المتاحة له لإدارة شؤونه، ومواصلة توسعة الاقليمي، وإنما الأخطر أنها رفعت الغطاء عن أعين الإيرانيين بطبيعة الفقاعة الاقتصادية والاوهام التي روج لها النظام لسنوات بانه قوة اقتصادية اقليمية كبرى، فالنظام الذي صور نفسه بانه حوت عملاق محاط باسماك صغيرة، اكتشف الإيرانيون انه ليس اكثر من سمكة مريضة، وان المياه التي يتنفس منها اخذه في الزوال نتيجة الشمس الحارقة بسبب العقوبات الاقتصادية، فموارد الدولة تتقلص وما يبقي يستنزف بين الفساد وعدم الكفاءة ودعم الطموحات التوسعية".
ويواصل قائلا: "مع تفاقم الازمة الاقتصادية لن يكون امام إيران غير طريقين لا ثالث لهما، اما ان يواصل تحالف خامنئي – الحرس الثوري في قمع الشعب، وتشكيل حكومة عسكرية لإدارة شؤون البلاد، بدعوى الحفاظ على " الثورة" وليس الدولة الإيرانية، وهذا سيؤدي الى مزيد من الافقار والفساد وحالة من الانفصال التام بين المجتمع والدولة، وستسير إيران في اتجاه النموذج الفنزويلي، معدلات تضخم غير مسبوقة، وارتفاع في مستويات البطالة وتمزق اجتماعي واضح. اما النموذج الاخر فيرتبط بتصاعد الغضب الشعبي وتغيير جذري في النظام، بحيث يتم التخلص من افكار تصدير الارهاب، وتوجيه الموارد الاقتصادية للداخل لرفع معدلات التنمية، واعادة تقييم منظومة السياسة الخارجية، وهذا يعني عمليا إعادة بناء إيران مرة أخرى، لتكون اكثر انسجاما مع ذاتها وأكثر ارتباطا بقيم الحداثة والعدالة الاجتماعية وحسن الجوار".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية