FINANCIAL TIMES

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» يواجه أول اختبار في سوق السندات

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» يواجه أول اختبار في سوق السندات

في أواخر عام 2005 أكد ألان جرينسبان للكونجرس أن قدرة سوق السندات على التنبؤ بحدوث ركود لم تكن كالمعتاد. كان رئيس مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" الأسبق يدلي بشهادته عندما هددت أسعار الفائدة قصيرة الأجل بالارتفاع إلى مستوى أعلى من أسعار الفائدة طويلة الأجل، وهذا أمر نادر الحدوث في الأسواق وكان بمنزلة مؤشر موثوق على تراجع الاقتصاد.
جاي باول، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي"، وجد نفسه هذا الأسبوع أمام أسئلة من قبل أعضاء الكونجرس حول الموضوع نفسه، لأن أسعار الفائدة قصيرة الأجل على وشك تجاوز الأسعار الأطول أجلا فيما يمكن أن يكون انعكاسا لمنحنى العائد للمرة الأولى منذ عام 2006. وهذا احتمال يعتقد بعض المستثمرين مرة أخرى أنه إنذار مبكر يحذر بحصول تباطؤ اقتصادي.
انحسار الفجوة بين عائد السندات لأجل عامين وسندات الخزانة لأجل عشر سنوات هو واحد من أهم الموضوعات في وول ستريت، لأن آثاره تتجاوز سوق السندات الحكومية الأمريكية التي تصل قيمتها إلى 14 تريليون دولار. أسهم المصارف الأمريكية التي تستفيد عندما تستطيع الاقتراض بثمن رخيص، على مدى أفق زمني قصير، وتقديم القروض بأسعار فائدة أغلى ثمنا على مدى فترة زمنية أطول، تخلفت عن سوق الأسهم الأوسع هذا العام.
مع ذلك كانت الرسالة الرئيسية من شهادة باول التي استغرقت يومين، التي تأتي بعد ستة أشهر على توليه رئاسة "الاحتياطي الفيدرالي"، هي أن الاقتصاد قوي بما يكفي والتضخم ثابت بما يكفي ليواصل البنك المركزي رفع أسعار الفائدة. الوتيرة المطردة لزيادات أسعار الفائدة هي واحدة من الأسباب التي تقف وراء اقتراب عائد السندات لأجل عامين من التفوق على عائد السندات لأجل عشر سنوات وعكس مسار منحنى العائد.
جوزيف لافورنيا، كبير الاقتصاديين للأمريكيتين في "ناتيكسيس"، يعتقد أن "مسار المنحنى سينعكس بحلول نهاية هذا العام، إذا مضى "الاحتياطي الفيدرالي" في تنفيذ ما يقوله". وقال "بالنسبة إلي، السبب الرئيسي في كون العائد منخفضا هو أن المستثمرين لا يعتقدون أن هناك كثيرا من النمو والتضخم".
الأرقام التي ظهرت الأسبوع الماضي لتبين وجود ارتفاع في مبيعات التجزئة في حزيران (يونيو) كانت أحدث دليل على أن هناك زخما في الاقتصاد الأمريكي، مع تقدير "الاحتياطي الفيدرالي" في أتلانتا الآن أن الاقتصاد توسع بنسبة 4.5 في المائة خلال الربع الماضي.
قال باول أمام لجنة الشؤون المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ يوم الثلاثاء "مع وجود سوق وظائف قوية، واقتراب التضخم من الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه، وتوازن تقريبي في المخاطر المستقبلية، فإن أفضل حل الآن هو الحفاظ على الرفع التدريجي لأسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية".
لكن الفارق بين عائد سندات الخزانة لأجل عامين والسندات لأجل عشر سنوات – وهو مقياس يجري رصده على نطاق واسع في منحنى العائد – انحسر بشكل كبير. فقد وصل إلى 25 نقطة أساس يوم الأربعاء الماضي، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2007 ـ وأقل من 100 نقطة أساس قبل عام واحد.
ردا على سؤال حول ذلك ـ طرحه بات تومي، العضو الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا ـ أقر باول قائلا "في حال رَفعتَ أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى مستوى أعلى من مستوى الأسعار طويلة الأجل، حينها ربما تكون السياسة لديك أكثر تشددا مما تعتقد".
رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الذي يعتبر الآن ـ بعد عقدين من العمل لدى شركة الأسهم الخاصة "كارلايل" ـ أنه أكثر توافقا وانسجاما مع الأسواق من أسلافه الأكاديميين، أشار إلى أأن سعار الفائدة الأطول أجلا، مثل عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، تدل على ما يسمى بأسعار الفائدة المحايدة التي يسعى "الاحتياطي الفيدرالي" إلى استهدافها التي ليست تقييدية ولا تحفيزية.
قال ستيفن بليتز، كبير مختصي الاقتصاد الأمريكي لدى "تي إس لومبارد"، "إنه يتفهم آلية قراءة الأسواق. فهو يحاول دفع أسعار الفائدة لتصل إلى مستوى يعتقد بكل دقة أنه يعطي علامة على النمو في الاقتصاد. في الوقت الذي يستوي فيه منحنى العائد، تخبرك السوق أنك وصلت إلى القيمة العالية".
مع ذلك، النقاش حول الرسالة التي ينبغي لكل من مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" والمستثمرين تعلمها من الانعكاس المحتمل في منحنى العائدات الأمريكية أصبح أكثر تعقيدا بسبب احتمال أن تتعرض العائدات ذات الأجل الطويل للضغط بسبب عوامل لا علاقة لها بمخاطر الركود".
ولا يزال الطلب العالمي على سندات الخزانة الأمريكية قويا نظرا إلى مكانتها ملاذا آمنا من العوامل الجيوسياسية المسببة للاضطراب والمستوى المنخفض للعائد المتاح في أسواق السندات في بلدان متقدمة أخرى. ووفقا لبيانات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية الأسبوع الماضي، أضاف المستثمرون الأجانب سندات خزانة بقيمة 27 مليار دولار إلى محافظهم الاستثمارية في أيار (مايو).
وهناك مقتنيات "الاحتياطي الفيدرالي" نفسه من سندات الخزانة التي لا تزال، رغم تقليص البنك المركزي حجم ميزانيته العمومية التي بلغت تريليونات الدولارات، كبيرة وتشكل عائقا محتملا أمام العائد الأطول أجلا.
موثوقية منحنى العائد المنعكس باعتباره مؤشرا على تراجع الاقتصاد تعرضت للتشكيك الأسبوع الماضي من قبل رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الأسبق، بن برنانكي، الذي أدخل برنامج شراء السندات خلال فترة الأزمة المالية. أشار برنانكي إلى "التغييرات التنظيمية وبرامج التسهيل الكمي في مناطق اختصاص أخرى"، باعتبارها عوامل تشوش المشهد العام.
جيم كارون، المدير الإداري لفريق الدخل الثابت العالمي في "مورجان ستانلي إنفستمنت مانيجمنت"، اعترف بأن ثمة عوامل أخرى قد تعني أن المنحنى يقدم إشارات تحذيرية حول الآفاق الاقتصادية بشكل أسرع مما يمكنه تقديمه خلاف ذلك. لكنه أضاف أن "الاتجاه الذي يتخذه المسار لا يزال يشير إلى احتمال التعرض لاقتصاد متباطئ في المرحلة المقبلة. يمكننا الجدال حول المستوى، لكن اتجاه المسار هو نفسه".
وعلى الرغم من تقديم باول وجهة نظر متفائلة حول الآفاق الاقتصادية، هناك علامات تدل على عدم شعور جميع صناع السياسة في "الاحتياطي الفيدرالي" بالارتياح لاستواء منحنى العائد. نيل كاشكاري، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" في مينيابوليس، لاحظ الأسبوع الماضي "أن استمرار "الاحتياطي الفيدرالي" في رفع أسعار الفائدة سيعرضنا ليس فقط لخطر عكس مسار منحنى العائد، بل أيضا لخطر الانتقال إلى موقف انكماشي في السياسة وكبح جماح الاقتصاد، وهي أمور تشير الأسواق الآن إلى أنها غير ضرورية في هذه المرحلة".
وعلى الرغم من أن مسار منحنى العائد انعكس بعد أسابيع قليلة من إدلاء جرينسبان بشهادته أمام الكونجرس، إلا أن "الاحتياطي الفيدرالي" واصل رفع أسعار الفائدة حتى حزيران (يونيو) 2006، الذي كان يمثل الذروة النهائية التي وصل إليها قبل حصول الأزمة المالية والركود الاقتصادي اللاحق.
وتشير الشهادة التي أدلى بها باول إلى أنه يدرك المخاطر التي يمكن التعرض لها فيما لو ثبتت دقة الإشارة الواردة من منحنى العائد. ما يخشاه بعض المستثمرين هو أنه ربما يتصرف بعد فوات الأوان.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES