FINANCIAL TIMES

حيثيات اتهام ألمانيا بالتحول إلى «رهينة لروسيا»

حيثيات اتهام ألمانيا بالتحول إلى «رهينة لروسيا»

اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برلين بأنها "رهينة لروسيا"، لسماحها ببناء مشروع خط أنابيب جديد للغاز تدعمه موسكو، ليتم إنشاؤه بهدف تزويد شمال ألمانيا بالطاقة، وهاجم المستشارة أنجيلا ميركل لفشلها في إنفاق أموال كافية لمصلحة حلف الناتو، من أجل الدفاع عن أوروبا.
تتكرر هذه الانتقادات والمظالم التي يشتكي منها الرئيس ترمب مسبقا حول ألمانيا، لكنها جاءت في الساعات الأولى من افتتاح قمة الناتو الأخيرة في بروكسل، التي كان يرجو الحلفاء أن تُظهِر الوحدة في مواجهة الجهود التي يبذلها الأعداء لتقسيم البلدان الأعضاء في الحلف.
قال ترمب أثناء تحدثه خلال تناول طعام الإفطار مع يينس ستولتينبيرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، "إن ألمانيا بلد غني يمكنه تعزيز الإنفاق على الدفاع بشكل فوري"، مضيفا أن "عدم إنفاقهم بات وضعاً غير مناسب، ولم تعد الولايات المتحدة تستطيع تحمله".
وأضاف "هذا يحدث منذ عقود، لكن الرؤساء الآخرين لم يفعلوا أي شيء قط حيال ذلك. ينبغي أن أثير هذا الموضوع لأني أعتقد أنه وضع غير عادل بالنسبة إلى بلدي".
بعد أن أكد ستولتينبيرج أهمية الحفاظ على الوحدة، قال ترمب مرة أخرى "كيف يمكنكم الاجتماع هنا معا وهنالك بلد "ألمانيا" يستورد احتياجاته من الطاقة من البلد الذي تريدون الحصول على الحماية منه؟ إن هذا يجعل روسيا أكثر غنى".
لم يكن هجوم ترمب على ألمانيا مفاجئا لميركل وأورسولا فون دير لاين وزيرة دفاعها، فقد كانت الاثنتان تحاولان جاهدتين في الأيام الأخيرة التخفيف من حدة الانتقادات المتوقعة، من خلال الإشارة إلى أن برلين رفعت ميزانيتها العسكرية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وستواصل فعل ذلك في السنوات المقبلة.
قالت فون دير لاين في بروكسل "أصبحنا معتادين على الوضع الآن. يمكننا التعامل معه".
عقب الانتهاء من تناول الإفطار، قال ستولتينبيرج "إن لدى ترمب رسالة مباشرة جدا حول الإنفاق على الدفاع"، لكنه شدد على أن "جميع الحلفاء متفقون على أننا بحاجة إلى اقتسام الأعباء بشكل عادل".
إلا أن رئيس منظمة حلف الناتو قلل في وقت لاحق من أهمية الإشارات بأن ترمب يضر بالعلاقات عبر الأطلسي من خلال هجومه على أعضاء الحلف وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.
قال ستولتينبيرج "الرابطة عبر الأطلسي ليست رابطة واحدة. إذ لديها كثير من الروابط. بعضها تعرضت للوهن، لكن عندما يتعلق الأمر بالدفاع، قمنا بتعزيز الرابطة عبر الأطلسي"، مضيفا أن "حلف شمال الأطلسي تغلب على الصعوبات التي واجهها في الماضي". قام ترمب في الأسابيع الأخيرة أيضا بتصعيد هجماته على الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بفائضه التجاري الذي يصل إلى 151 مليار دولار مع الولايات المتحدة، وكثيرا ما كان يقذف بسهامه على ألمانيا فيما يتعلق بهذه المسألة. قال ستولتينبيرج "إن النزاع التجاري ليس له ذلك التأثير الكبير في حلف شمال الأطلسي" إلا أنه "لا يمكن ضمان عدم تأثيره في العلاقات مع الحلف في المستقبل".
اجتمع ترمب مع السيدة ميركل وناقش الزعيمان انتقاداته الموجهة ضد ألمانيا، بما في ذلك هجماته ضد خط أنابيب نورد ستريم الثاني، وخلاله دافعت ميركل عن استقلالية القرار في بلادها، مذكرة بأنها عاشت أيام كان شطراً من ألمانيا، يخضع لإملاءات موسكو.
قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على روسيا بسبب مشروع خط الأنابيب، الذي أثار غضب واشنطن وبعض حلفائها في أوروبا الشرقية، لأنه يتجاوزهم لينقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا من عبر بحر البلطيق. تلقى مشروع خط أنابيب نورد ستريم الأول الدعم من قبل المستشار الألماني آنذاك جيرهارد شرودر، الذي أصبح فيما بعد مسؤولا تنفيذيا كبيراً في شركة الغاز الروسية العملاقة جازبروم، وهو من المقربين إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قال ترمب "إن ألمانيا خاضعة تماما لسيطرة روسيا، لأنها تحصل على ما نسبته 60 إلى 70 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من روسيا. هل ترون أن هذا الوضع مناسب؟ لا أظن أنه كذلك". قال ترمب "من المفترض أننا نحمي أنفسنا من روسيا، وألمانيا تدفع مليارات الدولارات سنويا لروسيا. من المفترض أن نقوم بحمايتكم ضد روسيا، لكنهم يدفعون مليارات الدولارات لروسيا، وأعتقد أن هذا غير مناسب نهائيا".
ردا على سؤال حول مشروع نورد ستريم، قال ستولتينبيرج "إنه في الوقت الذي توجد فيه آراء ووجهات نظر مختلفة، إلا أن المشروع قضية تخص بلدانا منفردة، وليس من شأن الحلف اتخاذ قرار بشأنها".
أوضح ترمب أنه سيستغل زيارته التي استغرقت أسبوعا إلى أوروبا، التي انتهت بالقمة التي عقدها مع بوتين في هلسنكي، لمهاجمة الحلفاء الأوروبيين حول الإنفاق العسكري وحول ادعاءات بالانتهاكات التجارية. الشكاوى بشأن مشروع نورد ستريم تعمل على توسيع نطاق قائمة الاعتراضات من ترمب.
كثيرا ما انتقد ترمب فشل كثير من بلدان حلف الناتو في تعزيز الإنفاق العسكري – خاصة تحقيق هدف تم تحديده في عام 2014 ويتمثل في إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
غير أنه كثف من هجماته في الأسابيع الأخيرة، مشيرا إلى أنه يستعد لخوض معركة مماثلة فيما يتعلق بالقضية الأخرى المثيرة للجدل، التي اندلعت في نهاية قمة مجموعة الدول السبع التي عقدت أخيراً في كندا. بذلت البلدان الأوروبية جهودا مضنية لإدارة القمة، لكنها لا تزال قلقة بسبب ترمب. في قمة البلدان السبعة التي عقدت قبل شهر، توصلت البلدان السبعة إلى اتفاق حول بلاغ مشترك، لكن ترمب غرد في وقت لاحق عبر تويتر من طائرة الرئاسة بعد مغادرته، قائلا "إن فريقه لن يوقع على الوثيقة، بسبب الانتقادات الموجهة من جوستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي".
قال جيمس ستافريديس، قائد سابق في حلف الناتو يعمل الآن عميدا لكلية فليتشر في جامعة تافتس "الانتقادات التي يوجهها الرئيس ترمب ضد حلفائه تمثل سوء فهم أساسي لقيمة شبكة تحالفاتنا العالمية، وهي تعبير عن كراهية شخصية من جانبه تجاه كثير من القادة الأوروبيين".
ينبغي لنا – وهذا أمر نحن على حق فيه – أن نضغط على الأوروبيين وكندا لزيادة الإنفاق على الدفاع، لكن ينبغي لنا أن نفعل ذلك بأسلوب يتجنب استصغار وتحقير الآخرين علنا. شعار "أمريكا أولا" معرض لخطر كبير في أن يصبح أمريكا فقط.
بعد قمة الناتو، سافر ترمب إلى المملكة المتحدة حيث التقى رئيسة الوزراء تيريزا ماي والملكة إليزابيث، وأمضي يومين في نادي الجولف الخاص به في اسكتلندا قبل عقد قمته مع بوتين.
ينتقد كثير من المختصين الطريقة التي يتعامل فيها ترمب مع حلف الناتو، لكن جيمس كارافانو، المحلل لدى مؤسسة التراث، قال "التمثيلية التي تصور أن حلف شمال الأطلسي معرض للخطر أمر مبالغ فيه للغاية".
"حتى الأشخاص المعادين تماما لترمب سيتعين عليهم الاعتراف بأنه طرح قضية مهمة حول تقاسم الأعباء. من الصعب القول إن ترمب لم ينجح في إثارة التحركات بشأن هذه القضية.
التقدم والالتزامات التي تحققت مثيرة للإعجاب إلى حد كبير. أثناء كل هذه الضجة حول اقتسام الأعباء، هناك أمر غاب عن الأذهان، وهو أن هناك في الواقع أجندة جوهرية حول كثير من القضايا المهمة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES