default Author

أزمة الجوع في العالم والحلول

|
تعهد زعماء العالم بالالتزام بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030، كجزء من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة. تبدو المهمة ضخمة، والواقع أن العالم يُنتِج من الغذاء ما يكفي بالفعل لإطعام الجميع. لماذا إذن تظل المشكلة قائمة؟ هناك ارتباط وثيق بين الفقر والجوع، وهو السبب الذي جعل أهداف التنمية المستدامة تستهدف القضاء على الاثنين معا. يمثل الغذاء نحو 50 في المائة إلى 70 في المائة من دخل شخص يعيش عند خط الفقر، الذي حدده البنك الدولي بما يعادل 1.90 دولار. وتشير تقديرات البنك إلى أن ما يقرب من أربعة أخماس فقراء العالم يعيشون في مناطق ريفية، رغم أن هذه المناطق تمثل أقل من نصف سكان العالم. والاستنتاج الواضح هنا هو أن زيادة الدخول في المناطق الريفية على نحو مستدام أمر مطلوب لاستئصال الجوع. ولن تكون هذه بالمهمة السهلة، ذلك أن أغلب الدول النامية في أيامنا هذه مثقلة بمعدلات بطالة وبطالة جزئية مرتفعة. وفي ظل التوقعات الاقتصادية القاتمة الحالية، خاصة مع انخفاض أسعار السلع الأساسية، والإصرار على التقشف المالي في أغلب الأماكن، فمن المرجح أن تستمر الضغوط في خفض الدخول في المناطق الريفية. ولكن حتى لو تمكنت الدول من تحقيق النمو الشامل، فلن يكون هذا كافيا للقضاء على الجوع بحول عام 2030. ويتلخص السبيل الوحيد لتحقيق هذه الغاية في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية جيدة التصميم، وتعزيز الاستثمارات الداعمة للفقراء. وفقا لبيانات البنك الدولي، يتلقى مليار شخص في 146 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل حاليا شكلا من أشكال الحماية الاجتماعية. ورغم هذا، يعيش نحو 870 مليون شخص منهم في فقر مدقع، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى التغطية. ليس من المستغرب أن يكون أعظم النقص في الدول ذات الدخل المنخفض؛ حيث تغطي الحماية الاجتماعية أقل من عُشر السكان، وحيث يعيش 47 في المائة منهم في فقر مدقع. وفي الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، تصل الحماية الاجتماعية إلى نحو ربع أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع، وبهذا يتبقى نحو نصف مليار شخص دون تغطية. وفي الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، يتلقى نحو 45 في المائة من أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع إعانات الضمان الاجتماعي. من الواضح أن هذا ليس جيدا بالقدر الكافي ومن الممكن أن يساعد تحسين الحماية الاجتماعية على ضمان استهلاك القدر الكافي من الغذاء، وتمكين المستفيدين من الاستثمار في تغذية أنفسهم، وتحسين صحتهم وطاقاتهم الإنتاجية. ومع عمل هذه الاستثمارات على زيادة الدخل بشكل مستدام، فإنها تجعل من الممكن تحقيق زيادات أخرى في الاستثمارات الشخصية الإنتاجية، وبالتالي كسر الحلقة المفرغة من الفقر والجوع. ويتعين على الحكومات أيضا أن تتولى بعض الاستثمارات لضمان وصول أولئك الغارقين في الفقر حاليا إلى النقطة التي يمكنهم عندها الاستثمار في أنفسهم. ويتطلب الأمر دفعة استثمارية كبيرة في مرحلة مبكرة، ومن شأنها أن تعمل على توليد دخول إضافية بشكل أسرع، والحد من تكاليف التمويل الأطول أجلا. وهذه الدفعة المبكرة كفيلة -فضلا عن ذلك- بتعزيز الطلب الكلي في الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إليه بشدة. الواقع أن العالم قادر على تدبير الاستثمار المطلوب. فوفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، يتكلف هذا الاستثمار ما يعادل 0.3 في المائة من دخل العالم عام 2014. وكل المطلوب هو أن توفر الدول الأكثر ثراء الدعم المالي والمساعدة الفنية للدول ذات الدخل المنخفض. "أغلب الدول متوسطة الدخل قادرة على تحمل التمويل المطلوب بنفسها". ينبغي ألا يكون من الصعب توليد الإرادة السياسية لتوفير الدعم اللازم من الناحية النظرية على الأقل. فقد مر أكثر من نصف قرن منذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاقه بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يتعامل مع الاحتياجات المادية لكل الأشخاص باعتبارها من حقوق الإنسان الأساسية. قبل بضع سنوات اعتبر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت "التحرر من العوز"، الذي يشمل التحرر من الجوع، واحدة من أربع حريات أساسية ينبغي ضمانها للناس "في كل مكان في العالم". والآن، مع تبني أهداف التنمية المستدامة، أصبحت الحكومات في كل مكان ملزمة بتحمل مسؤولية القضاء على الفقر والجوع، فضلا عن إيجاد الظروف الكفيلة بضمان التغلب على الفقر والجوع. ويقدم المنتدى السياسي رفيع المستوى المقبل بشأن التنمية المستدامة فرصة بالغة الأهمية لشق الطريق إلى الأمام، وتحديد الأولويات في الأمدين القريب والمتوسط. إن القضاء على الجوع والفقر بطريقة مستدامة تصرف سليم أخلاقيا ومفيد سياسيا، وممكن اقتصاديا. ولم يعد التقاعس عن التحرك الآن خيارا متاحا لزعماء العالم. خاص بـ"الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت
إنشرها